مؤشرات مستوى المعيشة في كافّة دول العالم بدأت تتبلور داخل منظومة من المعايير القابلة للقياس، لما تمثله من أهميّة في تحديد مدى حالة الرفاه التي ينعم بها السكّان سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، وباتت جزءاً رئيساً تُبنى عليه الاستراتيجيّات الاقتصاديّة والمشاريع التنمويّة الطامحة لتوفير حياة أفضّل على كافّة المستويات ولجميع شرائح المجتمع.
وعادة ما تشمل معايير قياس مستوى المعيشة قراءة لمعدلات التضخّم التي تطال السلع الاستهلاكيّة، وقد بلغت نسبة التضخم في السعودية 4.1 بالمائة وفق ما أعلنت عنه مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، ويُعد مؤشراً مرتفعاً مقارنة بما كان عليه الحال في الشهر ذاته من العام الماضي الذي بلغ نسبة التضخم فيه 2.1 بالمائة.
كما يُعد متوسط دخل الفرد من أبرز المعايير الدالة على مستوى المعيشة، في وقت بلغ فيه متوسط مرتبات المواطنين السعوديين قرابة 6.5 آلاف ريال شهرياً، ولم يشهد هذا الرقم نمواً ملحوظاً خلال الأعوام القليلة الماضية على الرغم من ارتفاع العديد من السلع الاستهلاكيّة، ويعزو بعض الخبراء الاقتصاديين ذلك إلى ضعف إسهام القطاع الخاص في توفير فرص وظيفيّة تنسجم مع حجم الإيرادات التي تحققها، علاوة على التسهيلات الموفّرة لها مقارنة بالدول الأخرى.
ومن المؤشرات كذلك نسبة السكّان المالكين للمساكن، وقد شكّلت الأسر التي تمتلك مسكناً خاصاً بها ما نسبته 56 بالمائة، بينما عجزت 44 بالمائة من الأسر عن امتلاك السكن، وهو ما يكشف عن وجود أزمة مزدوجة في قطاع الإسكان، إحداها قلّة المعروض مقارنة بحجم الطلب، والأخرى تتمثل في ضعف القوّة الشرائيّة لدى السكّان وعدم قدرتهم على توفير التمويل الكافي والمتوافق مع مدخولهم الشهري، إضافة إلى غياب الجهات التمويلية ذات الهوامش الربحيّة المتدنية.
ولا يمكن إغفال حالة الطبقة المتوسطة في أي مؤشرات تقيس مدى مستوى المعيشة في أي مجتمع، ولدينا في المملكة انحسار ملحوظ لتلك الطبقة نتيجة الفوارق الواضحة بين المرتبات الشهريّة للمواطنين، حيث يتقاضى 49 بالمائة من المسجلين في نظام التأمينات الاجتماعيّة رواتب تقل عن 3 آلاف ريال وعددهم يتجاوز 800 ألف عامل، بينما يتقاضى 12 بالمائة فقط مرتبات تتجاوز 10 آلاف ريال.
الانطلاق من تلك المؤشرات ووضع التدابير اللازمة لمعالجة مشكلاتها، هي ما سيقودنا إلى رفع مستوى المعيشة وتحسين جودة الحياة في مجتمعنا، إذ إن التشخيص الدقيق لأي علّة هي الخطوة الأولى نحو الطريق الصحيح، وما يميّز تلك المعايير مراعاتها لظروف كل مجتمع على حدة، وتحد في الآن ذاته من تنفيذ خطوات ليست مجدية تكبّد الوطن والمواطن خسائر فادحة.
- ماجستير في النقد والنظرية