يوسف المحيميد
لديّ يقين كبير بأنّ أي مجتمع سيتحسن ويتطور إذا تحسنت أحوال الجامعات فيه، وقبل أيام ُنشر خبر غير صحيح عن تحويل توظيف أعضاء هيئة التدريس من سلطة الجامعات نفسها إلى «المركز الوطني للتوظيف» بحثاً عن تحقيق العدالة، وانتقاء المحسوبيات، ورغم أنّ ذلك المحسوبية حقيقة دامغة في معظم الجامعات، إلا أنّ تحويل الأمر إلى المركز ليس حلاً أبدًا، لأنّ ذلك عودة السيطرة على الجامعات من خارجها، بينما الحلم الأكبر أن تستقل تماماً عن التدخل في شؤونها، وفي ميزانياتها الخاصة، والجامعات قادرة على النمو والتطور والاعتماد على نفسها كجهات مستقلة مالياً وإدارياً، بشرط أن تطبق أنظمة إدارية وعلمية متطورة، وتنفذها بدقة وصرامة، من بينها شروط اختيار أعضاء هيئة التدريس، وطرق محاسبتهم على إنتاجهم العلمي والأكاديمي، ونزاهتهم من السرقات العلمية، واستغلال جهود طلابهم في المجال البحثي، وحتى شروط الاستغناء عنهم، وإنهاء خدماتهم في الجامعة، إذا ضعف أداؤهم وقلّ إنتاجهم، إذ يجب ألا تصبح الجامعات فرعًا لوكالة للضمان الاجتماعي لهؤلاء الخاملين، الذين لا يستطيعون تطوير أنفسهم فضلاً عن تطوير طلابهم وتثقيفهم!
في رأيي لن تتطور الجامعات لدينا إلا بشروط، منها دقة شروط اختيار أعضاء هيئات التدريس، ونزاهة هذا الاختيار عبر لجان مسؤولة، وتقييم أداء هؤلاء الأعضاء سنويًا، ومراقبتهم، وإنجازهم العلمي والأكاديمي، وتخصيص مبالغ ممتازة للبحث العلمي، وتحقيق الاستقلال المالي عن طريق الأوقاف، كما فعلت جامعة الملك سعود بخطواتها الطموحة نحو ذلك، رغم أنها لم تزل في الخطوات الأولى، فليس منطقياً أن تبقى ميزانيات الجامعات عالة على ميزانية الدولة العامة، بينما معظم جامعات دول العالم المتقدم حققت خطوات مهمة خلال عقود طويلة، فالقيمة السوقية لمجموع أوقاف جامعة عريقة مثل هارفرد تصل إلى 32 مليار دولار، ما يزيد على رؤوس أموال البنوك السعودية مجتمعة، وهكذا بالنسبة لكثير من الجامعات الأمريكية المتطورة!
لكي يتطور مجتمعنا ويتقدم سريعًا، علينا أن نضع جامعاتنا تحت المجهر، ونخضعها للمساءلة، والرقابة والمحاسبة المستمرة، ونخلصها من الشللية، ومن فوضى المحسوبية، كي تنتج لنا أجيالاً متعلمة ومستنيرة، تقود مؤسسات المجتمع نحو مزيد من النمو والتقدم.