عبده الأسمري
اطلعت مصادفة على كتابات لبعض طلاب الجامعة والثانوي في مواقف مختلفة وتعجبت بل واندهشت من المستوى الضحل الذي خطته أقلامهم للخط العربي الذي يشبه خربشات «المشعوذين» وأنكرت تلك اللغة الهشة في الكتابة وتنكرت للإملاء الذي حول العبارات إلى لغة «ألغاز « محيرة.
تساءلت وسألت عن مواد الخط والاملاء والقراءة والتي كانت معاجم علمية قبل عقود، وكان فيها نسبة رسوب وتناسب تفوق، وأسفت لهذا الدرجة الهزيلة من الإنتاج المعرفي الذي يعكس «أزمة « تعليم وأزمات مناهج وكوارث تربوية لدينا.
وعدت للوراء فوجدت أن جيلنا كان خطه جميلاً، وأننا كنا نكتب سور القرآن الكريم وبالتشكيل، وأن معلمي اللغة العربية كانوا يصرون على أن نكتب القطعة المقروءة في مادة المطالعة لتكون مطبوعة بأقلامنا وألوان تشكيلنا ثم نقرأها اليوم التالي من دفاتر الواجبات، بل إن بعض المعلمين يلزم كل طالب بقراءة القطعة المكتوبة من دفتر زميله والعكس، وكل ذلك أمام معلم كان في هيئة «لجنة تحكيم»، وكان قلمه الأحمر مقص رقيب وعلامة حذر ونذير خطورة فيما لو أخطأنا أو توقفنا أو تعثرنا.
وتساءلت إن جيل اليوم لا يقرأ، وإن قرأ فيقرأ من الروابط ومن رسائل الكترونية باهتة، ولا تنقل الحقيقة ولا توظف المعرفة، ويؤدي الواجبات المدرسية كفرض تعليمي «باهت» للتقييم، وقارنت أننا كنا نجبر في المرحلة المتوسطة على التلخيص للكتب، وأننا كنا نقف في حصة فرعية للمطالعة لسرد قصة أحد الصحابة أو التابعين في دقائق معدودات بعد أن نكون قد قرانا كتاباً كاملاً عن كل واحد منهم، وعادت بي الذاكرة إلى أننا كنا نقترض الكتب من مكتبة المدرسة لقراءة قصص الاطفال في الابتدائية ثم تطور مستوانا في المتوسطة، فكان لكل طالب سجل استعارة من المكتبة لكتب أكثر معرفة وأعلى قيمة.
وكنا نتبادل الكتب رغم صعوبة الدراسة وكثافة التحصيل وموضوعية الجد والاجتهاد.حتى أن الأنشطة المدرسية واوقات من «الفسحة الدراسية « تقتص لتخصص للقراءة، ووصل التأهيل التربوي المجود إلى إلزام الطلاب المعتذرين عن حصص الرياضة بالتوجه للمكتبة كنوع من العقوبات البديلة آنذاك وما أجملها من عقوبة.
سؤالي الآن: لنا عقد ونصف من الزمان ونحن نجني «فشل تعليمي» واضح في المخرجات؛ فالمعلم نتاج «أزمة تأهيل « والطالب نتيجة حتمية لعملية تربوية غير مجدية ينقصها التخطيط الواقعي، أما التصريحات والخطط التي امتلات بها طاولات الاجتماعات فهي كثيرة ولكنها لا توجد، وإذا كان التعليم قد فشل في إخراج طلاب لا يعرفون كيف يكتب بالقلم بينما كانت أجيال ماضية في ظل انحصار الحضارة والتطور كانت تكتب بالرقعة والنسخ والثلث والكوفي فكيف نرى متميزين في الجامعات، وكيف يجتاز الطلاب اختبار القدرات بكفاءة، وتعجبت أن هنالك من لا يزال يسأل: هل الظاء بعصا أم بدون؟ والهمزة على سطر أم على الألف؟ وهنالك من يكتب حرف الجر قبل الفعل.
وأتعجب أن الوزارة أهملت جانب القراءة في المكتبات المدرسية والتي تعد «خزينة معرفية « منها يجود الفكر وفيها تتبلور المعرفة وبها يسمو التعليم ومعها ترتفع جودة مخرجات التعليم. ولا أعلم ماذا يعمل المعلمون وما هو دورهم في تخريج «أجيال مبدعة « وأين الخطط المجدولة، وما هي فائدة التعليم الالكتروني إذا كان الطالب لا يجيد التفرقة بين الحروف، وماذا أحتاج من طالب قد يكتب على لوحة مفاتيح ولكنه لا يجيد القراءة ولا يفرق بين مخارج الحروف وما قيمة المنتج التعليمي إذا كان الطالب سيظل يكتب بالأخطاء، وكأنه تعلم مرحلة ثم هجر القراءة والكتابة وهي «الديمومة «المعرفية والتواصلية التي تصاحبنا حتى الموت.
سؤالي: إلى متى سنظل نعاني من انقراض «القراءة « والعيش على أنقاض الكتابة!!.