محمد بن علي بن عبدالله المسلم
لقد حدثت تغييرات جذرية في الاقتصاد والمجتمع السعودي أواخر السبعينات الميلادية الماضية. عندما زادت إيرادات الدولة من البترول والذي كان سعره أقل بكثير من أهميته للصناعة والنقل ومعظم شئون الحياة، وكم يقولون أن سعره (حتى بعد ارتفاعه لـ 100 دولار أمريكي) أقل من سعر الكولا.
حيث أن ارتفاع أسعار البترول زاد إيرادات الدول المنتجة للبترول بشكل كبير، وهذه الإيرادات الكبيرة الجديدة تمت الاستفادة منها في بناء البنية التحتية وظهور رجال أعمال جدد، كما توافد العديد من رجال الأعمال الأجانب وكلٌّ كان يحاول الحصول فرصته للاستفادة من العمل بالمملكة.هذه السيولة الضخمة التي تم ضخها في الاقتصاد الوطني بطبيعة الحال زادت الأسعار في كل شيء - ريالات كثيرة (تلهث) خلف بضائع وخدمات قليلة (جديدة وقديمة)، قلبت الحياة الاجتماعية رأسا على عقب وأصبح المال هو سيد الموقف وكما قيل (في جيبك ريال تسوى ريال ...).
في الدوائر الحكومية تغير الحال كذلك؛ فبدلاً من تشغيل وصيانة المصالح والدوائر الحكومية ذاتياً، تعدل الحال إلى إسناد تلك الأعمال إلى طرف خارجي وأوجدوا بذلك عملاً جديداً للقطاع الخاص ولتوضيح الصورة كان المستخدمون السعوديون (على وظائف ثابتة) يقومون بجميع الأعمال من تنظيف للمقرات والمكاتب وقيادة سيارات الحكومة التي كانت مخصصة لنقل الموظفين، ويقومون أيضاً بتقديم الشاي والقهوة للمسئولين والموظفين كما كانوا يقومون بأعمال الصيانة مثل الكهرباء وغيرها.
وبالتالي زاد عدد العمالة الأجنبية بأنواعها ومن كل الدول وفي كل المجالات كالعمالة المنزلية، وازدحمت الشوارع والطرق بالسيارات... المهم أننا أصبحنا شعباً استهلاكياً وأن ما كان كمالياً أصبح من الضروريات ومن كان لديه كهرباء وتكييف صحراوي أصبح لديه تكييف فريون يستهلك من الكهرباء أضعاف ما كان يستهلكه، ومن كانت فاتورته بمائة ريال ارتفعت إلى خانة الآلاف، والمنزل الذي يستهلك ما يساوي خمسين لتر مياه لجميع الاستعمالات صار يستهلك أكثر من مائتي لتر للشخص الواحد وأصبح المواطن يرمي في النفايات أكثر مما يأكل وصل إلى حد الإسراف في كل مناحي الحياة، إلى الحد الذي كان يجب عنده تدخل الدولة والعلماء لترشيد الاستهلاك وترك الإسراف.
ونظراً للظروف الحالية الناتجة عن انخفاض أسعار البترول وحاجة الدولة إلى ترشيد استخدام الكثير من الخدمات والأعمال التي تعينها وتدعمها الدولة وتقدمها بأسعار أقل من التكلفة والتي كانت تقدم لتسريع وتيرة التنمية الوطنية؛ قامت الدولة برفع أسعار بعض الخدمات وبجميع القطاعات، وإيقاف بعض المزايا المقدمة للموظفين (مؤقتاً) وبالتالي تأثر بعض موظفي الدخل المحدود فعلياً، مما يوجب على كل مواطن العودة إلى الاستهلاك المرشد والذي سيمكِّننا من توفير مبالغ كبيرة في أشياء مآلها براميل النفايات من الأطعمة واللحوم وغيرها من المشتريات بل يجب فرض غرامات على من يتظاهرون بالإسراف والمبالغة مثل مزايين الإبل والتي تباع بالملايين وغيرها من الأعمال التي لا يرضاها الله. كما تثير العداء والحقد في نفوس غير القادرين.
لقد حان الوقت لكل مواطن كما في الدول المتقدمة أن يخطط وينظم ميزانية للصرف لا تزيد على دخله بل ووضع مبلغ للاستثمار أو للادخار.
تغيير العادات الاجتماعية المكلفة مثل الإجازات التي يمكن ترشيدها بأن تكون كل عامين أو تكون سياحة داخلية وأن تخصص السياحة للسياحة وليس للتسوق وشراء أشياء موجودة بالمملكة وفي كثير من الأحيان بأسعار أعلى مما هو بالمملكة وعدم شراء الماركات لأن الجودة ليست محصورة بها.وضع رسوم على من يقومون بشحن سياراتهم الفارهة جداً والمباهات بها في لندن وباريس وغيرها؛ كما يفعل كثير من أبناء الخليج العربي.
تقليل الصرف على أجهزة الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي والتي ليس لها عائد.
الابتعاد عن القروض الاستهلاكية سواء الربوية أو ما يسمى إسلامية لأن العائد منها دائماً سلبي وتضع المقترض في دوامة القروض اللامنتهية، يقول الأولون (مد رجليك قدر لحافك)
لقد كان الناس في الزمن الجميل يعيشون بسعادة أكثر مما هم عليه الآن.
خير الكلام
قال الله تعالى في محكم كتابه:
{وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف
والله الموفق..