عبد الله باخشوين
.. زرت جزيرة فرسان مرة واحدة في عام 1986 وذلك للمشاركة في فعاليات أمسية ((قصصية)) شارك فيها - كما أذكر- كل من الراوي عبدة خال والقاص عمرو العامري وأدارها وعلق عليها الدكتور محمد الشنطي.. وقد لفت انتباهي حضور عدد كبير من الأدباء والمثقفين من مختلف أنحاء المملكة إضافة إلى جمهور غفير من أهالي الجزيرة الذين اعتبرو الأمسية حدثًا خاصًا ومميزًا.
كذا الحال كان في أمسية أخرى في القصيم شارك فيها المبدع المرحوم عبدالعزيز مشري وعبدة خال وفايزابا.. وقد لفت انتباهي - أيضًا - ذلك العدد الكبير.. من أهل الأدب والفن والإبداع أذكر منهم على وجه الخصوص الفنان التشكيلي عبدالجبار اليحيا.. والصديق المبدع سعد الدوسري الذي حضر خصيصًا ليقوم بقراءة نصوص عبدالعزيز مشري نيابة عنه بسبب ظروفه الصحية رحمه الله.. وكان سعد قد التزم بهذه المهمة في كل أمسية قصصية يدعى إليها المشري في لفتة تنم عن عاطفة المودة والحب القائمة بين معظم أبناء ذلك الجيل من المبدعين.
ولنا أن نشيد بالأمسيات الثقافية التي تقيمها الأندية الأدبية لما يصاحبها من جمهور كبير تأتي هذه الإشارات بالنظر إلى الفعاليات الثقافية المصاحبة لفعاليات معرض الرياض للكتاب.. فقد دعتني ذات مرة القاصة والروائية المبدعة الصديقة ليلى الأحيدب للمشاركة في إحدى الأمسيات التي كلفت بالإشراف عليها.. وفوجئت بأنها دعت الباحث والروائي المصري يوسف زيدان لإحياء أمسية يتحدث فيها عن تجربته الفنية والإبداعية وكان قد حصل في نفس العام على جائزة ((البوكر)) للرواية.
كان معي في الأمسية الناقد عبدالله السفر والقاص محمد النجيمي.. وفي زخم معرض الكتاب وزحامه وحركته الصاخبة.. حضر أمسيتنا ما يقرب من عشرة أشخاص.. وعدد مماثل من النساء.. أما أمسية الروائي المصري يوسف زيدان.. فلم أحضرها.. ولكني عرفت أن عددًا مماثلاً حضرها ولم يزد كثيرًا عن العدد الذي حضر لمشاركتنا.
لذلك لم استغرب كثيرًا عندما رأيت زيدان يتحدث ((عنا)) بتلك الطريقة الفجة.. وقلت إن الرجل ما زال غاضبًا ((منا)) فقد كان يتوقع أن يتم الاحتفاء بمشاركته على الطريقة ((المصرية)) التي أصبحت تقليدًا في معرض القاهرة للكتاب.. حيث تكون الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض ذات وقع خاص وتحظى بحضور جماهيري كثيف متعدد الأعمار والمستويات.. حتى إنك تجد الناس وقوفًا في بعض الأمسيات ولو كانت مشاركة زيدان في إحداها ((هناك)) لوجدت كثافة جماهيرية.. كان الرجل يتوقع أن يجد مثلها في الرياض.. ولو أن أمسيته أقيمت في نادي الرياض الثقافي لكنت قد وجدت حضورًا يليق باسمه وشهرته.. أما أن يأتي من ((آخر الدنيا)) ليجد في انتظاره ما لا يزيد عن عشرة أشخاص.. ويقيم في فندقه عدة أيام دون أن يجد من المثقفين أحدًا يحتفي به.. واعترف أنني أحد الذين كانوا ((يمرون به)) حتى دون إلقاء التحية بالرغم من أن لدى كثيرًا مما أريد أن أقول له.. وانتظر أن أسمع منه الكثير.. غير أنى لم أكن في حال يسمح لي بالخوض فيما أريد الخوض فيه معه وإن كنت شديد الإعجاب بأبحاثه التاريخية المحايدة والمميزة التي أثارت عليه امتعاض كثير من المصريين المتزمتين دينيًا من مسيحيين ومسلمين.. لذلك كنت أفضل أن أمر بصمت كأني لم أره.. ولم أحضر أمسيته شأني شأن أولئك الذين فضلوا التسكع في أروقة معرض الكتاب.