عبدالحفيظ الشمري
في زمن هذا التحول التقني الهائل، وتوافر وسائل التواصل الاجتماعي السريع، وتنامي قنوات الإعلام، وتدفق المعلوماتية.. ذلك الذي لا نتردد عن وسمه بـ"الهجمة المعلوماتية الحضارية"، ولا نجد أدنى صعوبة في أن نصنفها، أو نصفها بأنها الزمن العاصف الذي اجتاح الحياة المعاصرة والحديثة من خلال هذا الانهمار الهائل من المعلومات، والمواد، والطرف، والنصوص، والمنقولات، والمدونات، لتتسع في هذا السياق تقنياتها وأوعيتها، وتتنوع مصادرها في كل مكان من العالم.
وأحدث ما يمكن أن نتأمله هو نعت الأجهزة التواصلية الحديثة بـ"الهواتف الذكية" لكن سمة الذكاء قد تحتاج إلى صياغة أدق؛ إذ لا تزال هذه الأجهزة تعاني من غياب واضح لفن الحوار، وأدبيات المخاطبة، فعلى سبيل المثال في لغتنا العربية حيث نشاهد عبث هذه التطبيقات والبرامج؛ كتحويل الكتابة الحرفية للكلمات والجمل دون مراعاة لأبسط القواعد؛ كنداء المؤنث بالمذكر؛ أو العكس؛ مع اعتساف مدلول الكلمة؛ أو كتابتها بشكل يختلط فيه الرقمي بالحرفي.
فلماذا يقال عنها إذاً ذكية؟.. فلعلنا نبتعد عن التبرير الترويجي لهذه العبارة، ونسعى إلى أن نقيمها وفق منظور علمي، وعملي متسق، لنكتشف أن هذا اللفظ "لأجهزة ذكية" ما هو إلا استدراج للمستفيد أو المستهلك لاقتناء مثل هذه الأجهزة.
ففي ظل هذا التنوع الشكلي لذكاء الأجهزة، وتمكنها، وتطورها؛ لا نجد في المقابل سوى مزيد من سوء الاستخدام لمثل هذه الأجهزة، ليأتي من ينتحل، ويزيف، ويقدم، ويؤخر، ويبدل في رؤى وأقوال معروفة، بل إن هناك من يعبث من خلال هذه التقنيات بمعلومات المواقع التاريخية، والأخبار المحققة، لتصبح هذه الشواهد عرضة للأهواء.
فالذكاء الذي تتمتع به هذه الأجهزة قد يكون في التطبيقات والتقنيات، لكن لا يمكن استثماره في المعاني والقيم التي يتم تداولها، لتصبح الأمور مجرد ذكاء في الاستقطاب، واستمالة المستفيد، أو المستهلك؛ دون أن تراعي أي ضوابط أو قيم تحد من ظاهرة هذا الانثيال الكبير في المعلومات المتضاربة، والمتشابكة، والمجتزأة من سياقها، وقد تخل هذه التقنيات في تكريس الحقيقة، أو تبعث شيئاً من الشك حول الكثير من المعلومات.
بالطبع هناك من يشير إلى أن ذكاء هذه الأجهزة مذهل فعلا، ويكمن في مجال التقنيات، والأوعية والأقنية المعلوماتية، لكن ما نريده هنا هو الذكاء في المساعدة على تِبْيَانِ الحقيقة، أو توثيقها بقدر المستطاع، مع اليقين بأننا قد نعجز عن الحد من هذه الظاهرة بوضعها الحالي؛ حتى تنحسر هذه الموجة، وتعود المعلومة إلى أوعيتها المعتادة، ليتم التحقق منها، والأخذ بها، أو ردها.