عبدالعزيز السماري
كانت حلقة الثامنة استثنائية في خطابها العام، فقد كان الخطاب السعودي في تاريخه العريق يتسم بالهدوء والتفاؤل، مهما كانت الظروف حالكة السواد، وهو ما ظهر وتأكد من حديث معالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف، الذي كان بحق مثالاً لمدرسة الدولة في إرثها الطويل المتسم بالحكمة.
فيما عدا ذلك فلن أتوقف في هذه العجالة عند ساعة عمل الموظف اليتيمة، أو خطر إفلاس دولة نفطية ثرية بسبب بدلات الموظفين أو تكاليف تشغيل الجامعات في بلاد تشهد قفزة استثنائية وعملاقة في كثير من المجالات في عهد الملك سلمان برغم من التحديات وهو ما تحدث به الوزيران الآخران، ولكن سأتوقف كثيرًا عند تلك الإشارات عن عدد الجامعات على أنها "ترف"، أو كما عبر عنها كميًا الإعلامي داود الشريان، بأن أربع أو عشر جامعات تكفي، وكان قد ذكر عدد أربع جامعات في حلقة سابقة.
أنقل لكم فقرة من استراتيجية دولة ايرلندا لعام 2030 التي أعلن عنها في يناير 2011، وتحدد رؤية جديدة للتعليم العالي في ايرلندا في العقود المقبلة، على أن التعليم العالي يلعب دورًا محوريًا في جعل ايرلندا دولة معترف بها من أجل الابتكار والمشروعات التنافسية ومواصلة التفوق الأكاديمي، ويحولها إلى دولة جذابة للعيش والعمل مع نوعية الحياة، وحيوية الثقافية والهياكل الاجتماعية الشاملة، وعلى أن تكون ايرلندا مصدرًا للأفكار الجديدة من خلال البحوث الممتازة.
بينما عبر بعض من يفترض أنهم من ممثلي رؤية 2030 السعودية في حلقة الثامنة عن التعليم الجامعي على أنه ترف، وعلينا أن نعود إلى مرحلة ست أو عشر جامعات، وكم شعرت بالأسف لتلك الرؤية، وكيف سنصل إليها من دون تعليم جامعي وعالٍ للمجتمع، وكيف نعبرها من دون تشجيع للبحث العلمي، وحث الأجيال القادمة على التخصص، وكسب المهارات الجديدة.
كان التعليم اللا منهجي أو التعلم خارج الحدود في الدول المجاورة من أهم أسباب التشتت الذهني وأحيانًا التطرف في مراحل ما قبل زيادة عدد الجامعات، فهل يريدون بذلك أن نعود إلى مرحلة التعليم غير المؤهل، أم أن الرؤية هدفها كما أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان، وهو تحويل المجتمع من مجتمع ريعي قبلي إلى مجتمع مدني يتميز أفراده بمهارات التعليم العالي، ويستطيعون بمهاراتهم مساعدة الدولة الوصول إلى مرحلة 2030 كما تتحدث عن نفسها.
في الولايات المتحدة يوجد 3263 جامعة وكلية، منها ستون جامعة في أفضل مائة جامعة في العالم، في إيران الجار اللدود، يوجد 530 جامعة وكلية، منها خمس جامعات في أفضل ألف جامعة، وفي إسرائيل قليلة السكان يوجد 34 جامعة، منها 9 جامعات ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، وفي لبنان الدولة الصغيرة 38 جامعة وكلية، وفي النمسا وهي دولة تعاني من انخفاض عدد المواليد والسكان، يوجد 77 جامعة وكلية، منها 9 في أفضل 500 جامعة في العالم، وفي السودان 44 جامعة وكلية، والإمارات 50 جامعة وكلية.
مختلف الرؤى الاستراتيجية في العالم تعتمد على نشر التعليم العالي بين أفراد المجتمع، ولا يمكن أن تقوم رؤية استراتيجية على خريجي الثانوية أو على أفراد محدودي التعليم، ولهذه لا يمكن قبول مقولة أن تشغيل الجامعات سيؤدي إلى إفلاس الدولة، وإذا كانت تكاليف تشغيلها عالية كما يقولون فعلينا إعادة النظر في تجربة جامعة الملك سعود السابقة، التي تم إيقافها برغم من أن إدارتها السابقة نجحت في تحويلها إلى استثمار يؤدي في نهاية الأمر إلى مرحلة أقرب إلى الاكتفاء المادي.
خلال متابعتي لتلك الحلقة الصاخبة قفزت في ذاكرتي تلك المبادرة السخية بتبرع الملك سلمان حين كان أميرًا لمنطقة الرياض بكامل أرض أول جامعة بالمملكة وهي جامعة الملك سعود، مما يظهر اهتمامه المبكر وعنايته ورعايته للتعليم العالي، وهي رسالة لمن يرى أن التعليم العالي ترفًا، وما قام به الملك سلمان سبقه كل ملوك المملكة في دعم التعليم العالي بدءًا من الملك عبدالعزيز الذي افتتحت في عهده كليات اللغة والشريعة في المملكة مما يجعل المطالبة بمزيد من الجامعات ضرورة مع زيادة عدد خريجي الثانويات من بنين وبنات.