سعد بن عبدالقادر القويعي
من أخطر البدع التي ابتلى بعض المسلمين، المسارعة برمي الناس بالكفر، والضلال، وهذا خلاف المنهج الإسلامي الصحيح؛ - ولذا - فقد أصدرت هيئة كبار العلماء في السعودية - قبل أيام - بيانا، كشفت من خلاله خلاصة القرارات، والبيانات التي قامت بنشرها عن التكفير، والذي وصفته بأنه من المفاهيم التي اشتبهت على بعض الناس، - وبالتالي - فإن مسألة التكفير من المسائل التي كثر النزاع فيها. كما أنه يشتد الخطب عند الاختلاف فيها، ويعظم الكرب عند الخطأ في الحكم فيها؛ لما يترتب عليه من الولاء، والبراء، والحب، والبغض، وعصمة الدم، والمال من عدمها، إلى غير ذلك من الأحكام الكبيرة التي لها خطر عظيم في حياة الفرد، والمجتمع.
أليس الإنسان يلج إلى الإسلام بنطقه للشهادتين، وهي أعلى شعب الإيمان؛ فيطمئن قلبه بالإيمان، وتشهد له جوارحه بذلك، وهو يركع لله، ويسجد، ويُحكم له بالإسلام يقيناً، ويحظى في الدنيا بما تستتبعه هذه الكلمة العظيمة من حقوق الولاء، وحرمة الدم، والعرض، والمال. وعكس هذا المفهوم مصطلح التكفير، والذي يترتب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم، والمال، ومنع التوارث، وفسخ النكاح، وتكفير الحكام، والحكومات، وهو أعظم ضررا؛ لما يترتب عليه من التحريض، وحمل السلاح، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وسلب الأموال - الخاصة والعامة -، وتفجير المساكن، والمركبات، وتخريب المنشآت، وفساد العباد، والبلاد، - كل ذلك وغيره كثير - منبعه الغلو في التكفير، وعدم الالتزام بالضوابط الشرعية، والقواعد العلمية الحاكمة على قضية التكفير، والتوسع فيه بتكفير من لا يستحق التكفير شرعاً، وهذا موقف الخوارج، والمعتزلة قديماً.
إن التكفير كغيره من الأحكام التي لا تتم إلا بوجود أسبابها، وانتفاء موانعها، كما في الإرث؛ وبناء عليه فلا يحق لمسلم تكفير مسلم إلا إذا رأى منه كفراً بواحاً، ثبت التكفير به في نصوص الوحي، أو مجمعاً عليه، فلا يكفر المتوقف في تكفير المتأول، والمكره الذي اعتمد على أحد الأقوال في تعريف الإكراه، وقد حذر أهل العلم من التكفير للشخص المعين ما لم تقم عليه الحجة، وينتفي التأويل، ولا يدرك ذلك إلا الراسخون في العلم، باعتبار أن عدم التفريق بينهما، كان سبباً في انتشار القتل بين المسلمين في كثير من البلاد.
بقي القول: إن النظر في مسائل التكفير، وتنزيل أحكامه على الأعيان، أو الأحوال يرجع لأهل الاجتهاد، والفتوى، ولا يجوز لغيرهم الخوض فيه، - إضافة - إلى ضرورة بيان وجه الحق فيه؛ حفاظًا على دين المسلم، وخروجًا من إشكالية تكفير الناس بذريعة الاستحلال فيه، وتجنباً للوقوع في الخطأ، أو الاسترسال مع الغيرة، أو الحماس غير المنضبط في هذا الباب؛ مما يسبب ظلم الناس، والتعدي عليهم.