لبنى الخميس
هل أخطأت الحكم على أحد ذات يوم؟ عاملت الوفي كالخائن.. والخائن كالصادق الأمين؟ رفعت مقام السطحي.. وغفلت عن الممتلئ علماً وفكراً؟ دعمت المشهور بشراء تذكرة فلمه.. كرسي حفلته.. نسخة كتابه.. حقيبة مجموعته الجديدة، وتجاهلت الموهوب.. لم تنبه لعطائه واستحقاقه لفرصة دعم ومساندة؟ لا تخف لست الوحيد، الحكم على المؤثرين بمواقع التواصل بحجم المتابعين.. والحكم على الفنانين بقوة فلاشات الكاميرا.. والحكم على الكتّاب بعدد النسخ التي بيعت من كتبهم. أخطاء فادحة يقع فيها الناس كل يوم.. ويدفع ثمنها الموهوبون القابعون في الظل رغم امتلاكهم موهبة حقيقية وعطاء استثنائياً..
إحدى أكثر الخواص التي أقدرها فعلاً في تطبيق سناب شات هي عدم إظهار عدد المتابعين لتكون المتابعة على أساس (المحتوى) وليس الشهرة وعدد المتابعين. ولكي لا أقع في فخ التنظير سأشارككم تجربتين لفتتا انتباهي بموضوع الحكم الناقص والجائر على بعض الأشخاص.. وكلتا التجربتين حدثتا في أمريكا.
التجربة الأولى:
قرر أحد أشهر العازفين في العالم أن يجري تجربة حية بالتعاون مع جريدة واشنطن بوست لكشف مدى قدرة الناس على تذوق الفن الرفيع، وتميز العازف الجيد عن العازف الرديء، من خلال التنكر والعزف في إحدى محطات مترو الأنفاق في واشنطن. وبالرغم من أن قيمة الكمان الذي كان يعزف به تتجاوز الثلاثة مليون دولار ما يجعل حيازته حلم أي عازف موسيقي، وبالرغم أيضاً من أن تذاكر حفلته القادمة نفذت من السوق وبيعت بمبالغ مرتفعة، استمر يعزف معزوفات راقية وفخمة لباخ لمدة 45 دقيقة دون أن يعيره أحد أي اهتمام، إلا شخص واحد توقف وقدم له بخشيشاً سخياً بقيمة 37 دولارا أمام موجة من التجاهل الصادمة التي لم تصعق جاشيو بيل فقط بل المجتمع الثقافي والفني.
التجربة الثانية:
حين ضاق أحد المؤلفين الشباب في أمريكا ذرعاً من رسائل الاعتذار التي كانت تصل إلى بريده من دور نشر رفضت نشر كتابه رغم إصراره وتكرار محاولاته، توصل إلى قناعة بأن دور النشر بدأت تتعامل مع الكتاب كعلامات تجارية، ولم تعد تهتم بالأعمال الجديدة والمواهب الصاعدة بقدر اهتمامها بالأسماء اللامعة في عالم الكلمة. فقرر القيام بتجربة انتقامية تفضح ضحالة عملية التقييم.. وسوء تقدير وانتقاء الأعمال الجديدة.. عبر خطة خطيرة وشجاعة، تمثلت بنسخ رواية قديمة وموجودة في الأسواق تدعى «ستيبس» فازت بجائزة نوبل في عام 1969 وبيع منها أكثر من 4 ملايين نسخة. استبدل اسم المؤلف الأصلي باسمه وأرسلها لأربع دور نشر منها دار نشر معروفة جدا اسمها «راندوم هاوس» كانت الناشر الأساسي للرواية.. فكانت المفاجأة المفارقة العجيبة والصادمة أن دور النشر الأربعة رفضت نشر الرواية بحجج تراوحت بين تفكك البنية الأدبية، وضعف الحبكة القصصية، بالإضافة لركاكة اللغة. ما وضع دور النشر في موقف محرج كونها تملك لجانا كسولة.. بل ومتحيزة تتهم بأنها مسؤولة عن ضياع مخزون ثري من الأعمال الجديدة، مقابل احتفاء مخادع لأسماء كتاب تطبع الأموال وتجني الأرباح من خلف أسمائهم مثل جي كي رولينغ، مالكوم غلاديول، وستيف هارفي، ودان براون.
ماذا نتعلم من تلك التجارب؟
- ليس كل ما يرفضه الناس سيئاً
قدمت معزوفة وأعرض عنها الناس.. كتبت مقالاً ولم يقرأه أحد.. صمّمتِ فستاناً ولم ينل على استحسان صديقاتك.. قدمت فكرة ورفضها مديرك بالعمل. لا تقلق، ليس كل ما يرفضه الناس سيئاً ومكانه سلة المهملات.. بعض الأفكار قدرها أن يحاربها الآخرون لتكون عظيمة وخالدة وتعطينا فرصة لنتطور ونتحسن
الأسماء الكبيرة لم تولد بين عشية وضحاها
قد تسمع الكثير من كلمة (لا) لما تسمع كلمة (نعم) أهم الفنانين والكتاب عبر التاريخ لم ترفضهم دار نشر مكونة من 10 أشخاص فقط بل حكومات ومجتمعات كاملة. الخبر السعيدة هو أن قبضة المؤسسات الإعلامية والتسويقية قد ارتخت وتفككت، كون الموهوبين أصبحوا قادرين على تقديم وتسويق أنفسهم عبر صفحة في تويتر أو حساب بسناب شات أو مشروع تجاري صغير في انستغرام.
لن أكذب.. المظهر مهم..
المحتوى مهم وجوهري.. لكن المظهر بغاية الأهمية أيضاً. احرص على أن تجعل مظهرك الشخصي أو غلاف كتابك أو شعار مؤسستك أو العرض التقديمي لفكرتك "يواجه". الناس يهمها المحتوى لكن المظهر الخارجي لأي عمل يقول الكثير عنك.. ذوقك.. احترامك لذاتك كعلامة ذاتية وللآخرين أيضاً.