إبراهيم عبدالله العمار
أضخم حرب عرفتها البشرية حتى الآن هي الحرب العالمية الثانية، لكن قبلها حصلت الحرب العالمية الأولى التي حصدت أكثر من 60 مليون روح، وكانت تُعرَف باسم «الحرب العظمى» قبل إتيان الثانية، لأن الناس لم يروا أو يسمعوا بحرب بهذا الحجم. ورغم أن الثانية أعظم إلا أنه في منتصف القرن الماضي كان العلم قد تطور قليلاً ليخفف من آثار الحرب، مثل واقيات وأدوية وجراحة، لكن الحرب الأولى حصلت في بداية القرن لما كانت تقنية القتل والتدمير أعظم بكثير من تقنيات الطب والحماية، ولهذا كانت تلك الحرب أعظم وطأة على نفسية البشرية وتحوي مناظر أشنع.. تأمل هذه المناظر من الحرب العالمية الأولى:
- أول حرب تُستخدم فيها الأسلحة الكيميائية.. استخدمت بكثرة، ولا وقاية منها من الغازات المستخدمة: مسيل الدموع، وكان ضعيفاً، لذلك وضعوا مكانه غاز الكلورين الذي يهاجم العين والأنف والحلق والرئة، ويخنق حتى الموت بجرعات قوية، استخدمه الألمان أول مرة. ارتاع البريطانيون من شناعته وانتقدوا ألمانيا، لكن اضطروا أن يستخدموه كيلا يخسروا الحرب، وفي أول محاولة كبيرة في معركة لوس عام 1915م كان القصف الكيميائي البريطاني يحتاج الرياح، لكن لم تكن في صفهم ذاك اليوم، فاستقرت الغازات فيما بين الطرفين أو أرجعتها الريح للبريطانيين! أيضاً لم تنفجر كل القذائف، واستغل الألمان هذا فقصفوها وفجروا الكلورين على أصحابه مما صنع كارثة للإنجليز، وزاد الطين بلة أن الأقنعة الواقية بدائية، فصعبت الرؤية فيها وكذلك سخنت بشدة فاضطر الجنود أن يخلعوها، فقتلهم الغاز.
- اكتشفت فرنسا غاز فوسجين، رائحة مثل التبن الرطب، قتل الكثير من الجنود لأنه لا لون له مثل غيمة الكلورين الخضراء التي فروا منها، الأسوأ أن أعراضه تظهر بعد 24 ساعة وليس فوراً، فيقدر الجندي أن يكمل القتال، وفي اليوم التالي يشعر بحرقان العين والفم والكحة والقيء وانتفاخ الحلق وآلام الصدر وضيق التنفس وأعراض كثيرة حتى يموت.
- ماذا يفعل من يسمع انفجار القذائف ويشم رائحة الكيميائيات؟ ردة الفعل الطبيعية: الهروب وهذا ما فعله جنود فرنسيون لما أصابتهم قذائف كيميائية ألمانية، ففر منهم أعداد ضخمة صنعت فجوة خطرة في خط الدفاع، لكن لوحظ أن من يفر فإن أعراض الغاز أشد عليه! أخف الأعراض كانت عند من مكث في الخنادق المحفورة، لكن ليس في قاع الخندق بل يجب أن يقف بحيث يظهر رأسه (ويكون عرضة للرصاص!).
- أسوأ غازات هذه الحرب: الخردل لم يقتل بأعداد كبيرة لكنه مخيف، وهو يقتل إذا كان مُركزاً، وأعراضه بشعة، فهو يهاجم الجهاز التنفسي، ولننظر ما تقوله الممرضة فيرا بريتن التي رأت أعراض الغاز مباشرة، فتكتب: أين من ينادي باستمرار هذه الحرب؟ أتمنى أن يروا الجنود المتسمّمين من غاز الخردل!»، بثرات متنفطة ضخمة، أعين عمياء ملتصقة ذائبة، يكافحون من أجل كل نَفَس يشهقونه، أصواتهم ليست إلا همسات مبحوحة، يقول لها أنه يشعر بحلقه يُغلَق، ولا علاج، سيختنق ببطء حتى يموت، وهو يعرف هذا.