د. ناهد باشطح
فاصلة:
(هناك أمران ينبغي أن يتحسنا وإلا كانت الحياة لا تطاق: إهانات الزمان ومظالم البشر)
- حكمة عالمية -
قالت لي ابنتي "يارا" التي تدرس في الصف السادس الابتدائي "أخيرًا شكوت زميلتي في الفصل إلى المعلمة بعد أن أرسلت لي كلامًا جارحًا في ورقة".
تفاجأت بموقفها لأن هذا يعد تغييرًا في سلوكيات "يارا" التي طالما صبرت على مضايقة الآخرين وتردد "لا أريد أن يغضب أحد مني".
ولطالما كنت أفكر كيف يمكن أن تستوعب هذه الصغيرة دروس الحياة بأن الصبر لا يمكن أن يحل محل المطالبة بالحقوق.
ولأنني مقتنعة بأن التربية ليست محاضرات نلقيها على اسماع أطفالنا كان لا بد أن تدرك الصغيرة عبر مواقف الحياة أن المطالبة بالحقوق هي التي تصنع الحلول وليس الصبر والخنوع أيًا كانت مبرراتنا لهذا السكوت.
وتعمدت أن تشهد الصغيرة موقفًا لي فيه من تفاصيل المطالبة بالحقوق القدر الكافي لإيصال معنى أن الذي يطالب بحقه يحصل عليه وإن طالت المدة، وإن واجه التحديات، وإن تعب إلا أن عين الله تحرسه وإرادته تسوقه للإنجاز، فكان نتيجة ذلك أن تغير فهومها عن الصبر السلبي واقتنعت بأهمية التحرك وصد الأذى من قبل الآخرين.
ربما يعتقد البعض أنه ليس من الضرورة أن يعرف الطفل حقوقه ويطالب بها فالسائد أننا في المجتمعات العربية لم نهتم بتأسيس ثقافة المطالبة بالحقوق.
الإشكالية أننا قد لا نهتم في المجتمع الأولي.. الأسرة بتوضيح الفارق لأطفالنا بين المطالبة بالحقوق بانفعال أو بتوازن وبين الصبر الذي يغلف السلبية والخنوع.
الدكتور "هشام شرابي" أعطى مثالاً في بحث له عن المجتمع العربي في تربيته لأطفاله حين قال: الطفل حين يأتي متظلمًا إلى أمه بأن صديقه خطف الكرة منه من دون وجه حق فإن الأم الغربية تأمره أن يذهب ليستعيد حقه بينما تربّت الأم العربية على كتفه وتعده بأن تخبر أباه فيعيد له كرته فيفهم الطفل أنه لا يحق له أن يطالب بحقه أو أنه لا يستطيع ذلك.
من المهم أن تعي الأسرة أن تربية الأطفال على الحوار والنقاش والمطالبة بما يراه الطفل صحيحًا، وليس التربية على الطاعة العمياء وأن المطالبة بالحقوق نوع من نكران الجميل.
التنشئة الأولى تنتج إنسانًا لديه عزة وكرامة يرفض الظلم ويسعى لرفعه أما التنشئة الثانية فنتاجها إنسان خانع يقبل الدونية ويقنع نفسه بالصبر.
نحن نربي أولادنا لزمان غير زماننا والمطالبة بالحقوق ليست شعارات أو استراتيجية تمرد، إنها جزء مهم من خريطة حياة الإنسان في مجتمعه.
وحين يعيش المرء الحياة واعيًا لحقوقه وكيفية المطالبة بها يستطيع أن يتمثل بواجباته بقناعة دون الزام.