نجيب الخنيزي
أنا وأنت نعرف قوة نفوذ أيباك، والتي لم توجد لنشر رسالة السلام، وإنما للدفاع عن مصالح حكومة إسرائيل وسياساتها، ولتتأكد من تمرير سياسات إسرائيل لدى الحكومة الأمريكية والكونجرس، إنهم فعّالون في مهمتهم. إن أي عضو في الكونجرس يسعى لإعادة انتخابه لا يمكنه على الإطلاق أن يأخذ موقفًا متوازيًا بين إسرائيل والفلسطينيين، أو أن يطالبوا بانسحاب إسرائيلي لحدودها الدولية، أو أن يدافعوا عن الحقوق الإنسانية للفلسطينيين؛ لأنهم لو فعلوا ذلك، ففي أكثر الاحتمالات سيتم إسقاطهم في الانتخابات التالية - الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
الولايات المتحدة وعلى غرار كندا وبلدان أمريكا اللاتينية وأستراليا تعد من بلدان الاختيار، وهي على خلاف بلدان المشاركة التي تتسم بها البلدان القديمة والعريقة كالبلدان الأوربية والصين واليابان ومصر والهند، كما تختلف عن البلدان التي تشكلت حدودها بشكل مصطنع على يد الاستعمار مثل غالبية الدول العربية والأفريقية.
الولايات المتحدة تعتبر مجتمعاً من المهاجرين والمنضمين الجدد باضطراد من كافة أصقاع العالم، بما يتضمنه ذلك من تنوع وتعدد إثني وديني وثقافي للمجتمع، ومن ثم تعدد وتباين، بل واختلاف وتناقض المصالح والمستهدفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لشرائح وفئات السكان والمواطنين الأمريكيين.
هنا نشأت الحاجة المجتمعية في إنشاء وتكوين الاتحادات والجمعيات المختلفة كأطر للإفصاح عن تلك التطلعات والمصالح، وكآليات معترف بها وفقا للدستور الأمريكي في المشاركة النشطة في الحياة العامة، والتأثير في توجهات السياسات الحكومية الخارجية والداخلية، وذلك من خلال ما تحوزه من وسائل الضغط على السلطات الحكومية العامة وخصوصا الكونغرس الأمريكي، ومن خلال التأثير على الرأي العام عبر وسائل الإعلام (الصحف، الإذاعات، قنوات التلفزة والتواصل الاجتماعي) وتقديم العرائض وتنظيم التجمعات والتظاهرات، باعتبارها أدوات للتأثير والضغط الجماهيري الفعال، إلى جانب تقديم أو حجب الأصوات والدعم المادي للمرشحين إلى المناصب المهمة، كعضوية مجلسي النواب والشيوخ، وحكام الولايات، ويرتبط هذا الدعم بمواقف المرشحين إزاء القضايا التي تهتم بها وتعمل من أجلها جماعات المصالح أو الضغط (اللوبيات).
طبقا لقانون تنظيم جماعات الضغط الصادر عام 1946، والذي أصبح بموجبه ولكل جماعة إثنية أو مؤسسة أو حتى دولة أجنبية أن تنشئ جماعات ضغط محلية مسجلة باسمها في الكونجرس، لتمارس وبشكل قانوني أدوارها ووظائفها في العملية السياسية الأمريكية في بعديها الداخلي والخارجي.
يمكن القول إن هذه الخاصية اتسم بها المجتمع الأمريكي على نحو فاقع مقارنة بالدول الأخرى كالدول الأوربية ذات التقاليد السياسية والحزبية الراسخة، أو غالبية دول العالم الثالث حيث تتسم نشاطات جماعات الضغط بالسرية والطابع (المافيوي) المشبوه الذي يستهدف وضع اليد على مفاصل السلطة القوة والثروة.
تصدُّر جماعات الضغط أو المصالح في الولايات المتحدة ارتبط بالفراغ والخواء السياسي/ الإيديولوجي وغياب التباين الملموس بين برامج الحزبين الكبيرين، والذي انعكس في عزوف جمهور الناخبين، ناهيك عن التكاليف الباهظة للحملات الأمر الذي يجعل المرشحين للمناصب العليا المختلفة أسرى لضغوط وإغراءات وأحيانا تهديدات جماعات الضغط المتنفذة، وما الدور الذي تمارسه جماعات الضغط اليهودية وفي مقدمتها اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشئون العامة واختصارها «أيباك» والتي تمثل ذراع إسرائيل في الكونغرس ويحرص جميع الرؤساء الأمريكيين أو مرشحي الرئاسة على الاجتماع بهم لتجديد وتأكيد التأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل إلا مثالا فاقعا على ذلك.
التساؤل هنا: أين هو اللوبي العربي أو السعودي القوي القادر على التأثير في أنساق السلطة ومراكز القرار في الدولة والمجتمع الأمريكي عبر تبني سياسة أكثر إنصافاً للقضايا العربية العادلة، ويقطع الطريق أمام سن وإصدار قوانين مجحفة وظالمة على غرار قانون جاستا سيء الذكر؟.