مها محمد الشريف
عندما يلقي المرء نظرة شاملة إلى الصراع بين التيارات والأحزاب ، يكتشف حجم التناقض والتفاوت في القناعات والأفكار. فقد أخذت المغالطة حيزاً كبيراً ليبدو الخلل متعمّداً يتم بمقتضاه استنتاج أحداث محكومة بالمعاناة والفوضى، ولذا استعصى على الناس فهم معنى نشر الفوضى والفتن من قِبل المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
وهذا ما يؤكد منهج التساؤل حول تباين ردود الأفعال وانتقادات المرشّحيْن للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون وترامب، حيث تضمّن الأداء أمام الجماهير عدم الالتزام والتراشق بالتهم بين شخصيتين لا تخدم توجههما أو سياستهما. فالعالم ينتظر منهما شكلاً إيجابياً ومعنى لحجم المسئولية الكبيرة التي ستوصل أحدهما إلى كرسي الرئاسة وقيادة دولة عظمى.
في حين أظهر تحليل أجرته شركة «براندووتش» لمعلومات التواصل الاجتماعي، أنّ أكثر من 17 مليون تغريدة على تويتر بعد المناظرة ، وأنّ المشاعر تجاه أداء ترامب كانت سلبية بنسبة 66.9 بالمئة، في حين المشاعر السلبية تجاه أداء كلينتون 57.8 بالمئة، سجلت هذه النسب السلبية انعطافة راديكالية سياسية طابعها تغيير البنى الاجتماعية بأساليب ثورية.
في الحقيقة هي جملة انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي بعضها مؤيدة لكلينتون، تتهم حملة ترامب بتشجيع حق حيازة السلاح والتصويت له .
منذ بداية الانتخابات اعتاد القارئ والمشاهد على منافسة طابعها التهور والاستبداد الداخلي المحتدم في النفوس، وأنّ الديموقراطية ليست ضرورة أخلاقية، حيث نقلت وكالات الأنباء المتلفزة والمقروءة بثاً مساء الأربعاء في لاس فيغاس المناظرة الثالثة والأخيرة بين المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب من دون أن يتصافحا. وتميّزت هذه المناظرة بسجالات عنيفة وتبادل اتهامات من العيار الثقيل، وصلت أكثر من مرة بالمرشح الجمهوري إلى حد تحقير منافسته، لدرجة أنه قال عنها «يا لها من امرأة بغيضة» حسبما وصفته وسائل الإعلام المختلفة .
وربما كانت المشكلة الحقيقية في الديموقراطية الأمريكية لم تلزم المرشحين بمفاهيم وركائز تقوم عليها حدود الحوار والسجال، ما أفقد الشعب الثقة بالنظام الانتخابي بنسبة 48 بالمئة الذي تتباهي به أمريكا ديموقراطياً على المستوى العام، فالنهوض بالشكل المطلوب لم يعكس ثقل الشخصيتين الثقافية والسياسية وكسب ثقة الجماهير .
فكلما ارتفع الضجيج والتأجيج بين المرشحين فقد مكانته وعرضه للانتقادات، وشكك أحد المرشحين في نزاهة الانتخابات وسلّط الضوء على هاجس التآمر ضده . لاشك أنه خلق جرحاً عميقاً في النسيج الأمريكي، إذا بقي المجتمع رهن التقلبات والأهواء يبني المعارف على الأفكار الفطرية ويشتت الانطباعات الحسية، ما لم يتم وضع المبادئ والقيم في علاقة الإنسان بالإنسان وبالسلطة.
فالمظهر السلبي في العقول يهدد محيط الإنسان وتحولاته في التقدم العلمي والتقني ، وما شاهده العالم في هذا السجال يوضح تباين القواسم المشتركة وحجم الاختلاف ونجاح حزب وإخفاق آخر، فلا غرو أن تتنبأ الغالبية بنهاية وشيكة للحزب الجمهوري إذا ارتبط بخسارة ترامب الذي غذى الفتنة والتمايز والمكوّن العرقي.