د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تتوارد الأنباء عن حِراك صناعة جديدة للبيئات المدرسية بمفهومها الشامل, وتُغزل خلال ذلك الحراك شِباك القوم حتى ملأ الصيّادون الآفاق, ولكننا ما زلنا نتساءل ما بال الصيد ينفّر؟ هل هو زلزال المكان؟ فيجب أن تهرع له فرق الإنقاذ!! أم هو واقع الزمن وإن كان مخلصاً لمواعيده معنا, فقد عرفنا أن هناك وقتاً محدداً تعبأ فيه أعمار الطلاب داخل حجرات الفصول وقد تترمّد المعرفة مع هجير المكان في كثير من البيئات, وربما يكون المكان رواقاً دامساً يتربّص به فقر في وسائل إثراء الأفكار التي تستدعي تفاصيل ومساحات مختلفة تحوِّل الطالب إلى امرئ شغوف بالحياة والإنجاز.
إن دفع الطلاب للتعلُّم يلزم الوصول بهم إلى منصات الجمال, التي تحيطها الجودة والمواصفات العالية, فالبيئات التعليمية ليست طارئة التكوين؛ وليست مخرجاتها من قبيل الصدف, فتأسيس المعرفة في عقول الطلاب وصقلها يُولد في البيئات التي تشرق فيها مغامرات جذابة, وسوف أسرد حزمة من تلك المغامرات داخل المحيط المدرسي ربما تحوّل الطلاب إلى شغوفين وملهمين, وترفع لديهم الذائقة المعرفية, يتصدّرها أن تعبّر البيئات في تصاميمها عن ثقافة المكان وأهله, لأن الانتماء وقود للوجدان ومحفز للعقل, وأن يكون الأداء التربوي المبدع وأدواته من الأساسات الملزمة في كل بيئة دون استثناء, وأن تتضمن المهام التنظيمية ما يطوِّر البيئة التعليمية وأن لا تكون عبئاً عليها, وأن تُفضي إلى صحو الأمكَنة, ودعمها لتكون منارات إنتاج تحول نوعي في منصات التعليم, وأحسبُ أن انغراس القائمين على التعليم في تفاصيل الحكاية برمتها أمر قد يتقاطع مع قوة النتائج وجودتها, ومن ذلك ما يتعلق بالمباني المدرسية تخطيطاً وإنشاءً, وتوفير الخدمات الصحية للطلاب, والحراسات الأمنية, والملاعب الرياضية وتطوير الثقافة العامة الشاملة للجيل, ولن أُفصِّل فلكل منها قطاع مستقل وقائم, وأجزم أن الظباء تكاثرت على خراش أعانه الله, كما أن استقلالية المدارس مطلوبة في واقع اليوم إلا من هم دون سن الرشد وقليل ما هم, وأن لا تكون الرقابة (من نكد الدنيا على الحر) بمعنى أن تتخلص المدارس من قبضة أولئك المُطلين من صياصيهم.
ومن مقومات البيئات الحافزة توجيه المقدرات المادية والبشرية توجيهاً حكيماً ومحكماً؛ فمن الحذق والسبق أن لا ندعو لصناعة السفينة بجمع الأخشاب ونحدد للصنّاع مهام العمل فقط؛ بل يجب أن نلهمهم كيف يشتاقون لرؤية نهاية البحر, والمرافئ الجديدة؛ ولعلنا من هذا الحراك وذاك, نصيد محارات الدواء لنصلح فضاءات الطلاب الذين ما زالت أرواحهم تتحدى الخمول, وترقب اليقين المدرسي في بيئات ملأى بصنوف المعرفة وأبوابها.
وأختم أن من محفزات البيئة التعليمية الجاذبة دفع أفرادها للبث الفكري المتوازن بفنونه وأشكاله المختلفة حيث يرقى بالعقول والأفئدة, ويستنبت ثقافة مجزية في منظومة العمل لتغليب قوانين المشاركة والشفافية والعدالة وتمكين المؤهلين لتحقيق متطلبات البيئات الجاذبة, والوصول إلى صناعة الحاجة للعلم في ذات المتعلم؛ وهو ما يُطلق عليه في المصطلح التربوي (الدافع) وذاك هو مفتاح التعليم الذهبي بلا منازع.