في اجتماع جمعيتها العامة الـ71 وتحت قبة الأمم المتحدة، قرابة الـ11 دقيقة ونصف الدقيقة كانت حالة الترقّب والانتظار من زعماء وقادة وممثلي دول العالم في الاجتماع، لما ستحمله كلمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس وفد المملكة في أعمال الدورة السنوية الـ(71) للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ليس غريباً أن يبدأ ولي العهد الأمير محمد بن نايف أو (جنرال الحرب على الإرهاب) أن يستفتح كلمته بالدور العالمي الذي تلعبه في محاربتها للإرهاب،حيث استعرض سموه جهود المملكة منذ مشاركتها في تأسيس الأمم المتحدة جهوداً كبيرة لتحقيق المقاصد السامية التي نتطلع إليها جميعاً، مستطردا على أنها لا زالت على نفس النهج بقيادة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- ولن تحيد عن رسالتها السامية في إحلال السلام وإرساء الأمن والاستقرار، ليس في منطقتنا فحسب بل في أرجاء المعمورة.
وفي محاربة الإرهاب ذكر سموه وبلغة الأرقام بأن المملكة من أوائل الدول التي عانت من الإرهاب منذ عام 1992م إلى أكثر من (100) عملية إرهابية، منها (18) عملية نفذتها عناصر مرتبطة تنظيمياً بدولة إقليمية.كما تمكنت أجهزة المملكة الأمنية ـ ولله الحمد ـ من الكشف عن (268) عملية إرهابية وإحباطها قبل وقوعها، بما في ذلك عمليات كانت موجهة ضد الدول الصديقة. ثم تحدث سموه عن الاتفاقيات الدولية التي وقعتها المملكة أذكر منها:
الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لعام 1999
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية 1988.
وإصدار أنظمه وإجراءات وتدابير تجرم الإرهاب وتمويله، وبصفتي أحد المختصين في هذا المجال أرى أن المملكة قامت بجهود جبارة في سن أنظمة وقواعد وإجرءات احترازية للحيلولة دون هذا الوباء فقد أنشأت (لجنة دائمة لمكافحة غسل الأموال) والتي من مهامها: وضع الخطوات اللازمة لتنفيذ التوصيات الأربعين (40) لمجموعة العمل المالي FATF إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، ومتابعتها وتنفيذها. كما أن من مهامها: (اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال) دراسة جميع الموضوعات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال بالمملكة, والرفع عما يلزم إلى المقام السامي بخصوص ما يواجه الجهات المعنية من معوقات وصعوبات حيال تنفيذ الخطوات والإجراءات المتعلقة بالتوصيات الأربعين لمكافحة غسل الأموال, وما لديها من اقتراحات ومرئيات لتذليلها. وفي 24 / 2 / 1435هـ تم اعتماد نظام جرائم الإرهاب وتمويله برقم (م/16) وغيرها من الأنظمة ذات العلاقة.
ولم يغفل سموه عن تنظيم داعش حيث المملكة ترأس مكافحة تنظيم داعش بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيطاليا. وفي نفس السياق لم ينس سموه مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة وتقويم الفكر المنحرف / الضال حيث أن المملكة السعودية قامت بمأسسة هذا التوجه بإنشائها للمركز وهي تجربة تحتاج إلى وقفه طويلة لأنها أصبحت تجربة عالمية.
ودور المؤسسة الدينية الذي جرم وحرم هذا الفكر الضال (الإرهاب) كان نصب أعين ولي العهد وهو يتحدث في كلمته.
الثقل الإسلامي للمملكة كان حاضرا وبقوة في ذهن ولي العهد بقوله (إن المملكة هي بلد الحرمين الشريفين، وفيها قبلة المسلمين، ومن أرضها انطلقت تعاليم الإسلام ـ دين السلام ـ الذي يدين به أكثر من مليار وخمسمائة مليون نسمة).
ولم تغفل عين الأمير الساهرة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي هزت الولايات المتحدة والعالم وشجب المملكة لهذا العمل الإجرامي مستفيضا بملاحقة المجرمين واجتثاثهم للتخلص من شرورهم،لذا كانت وقفة سموه حازمة حيال إصدار (قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب) الذي أقره الكونجرس الأمريكي مؤخرا حيث يعد انتهاكا واضحا وصريحا لمبادئ القانون الدولي، وانسلاخا عن جميع الأعراف الدولية وتعديا واضحا على سيادة الدول منوها بالتبعات السلبية لهذا القرار على الصعيد الدولي.
وأخيرا وليس آخراً في ملف الإرهاب نوه سموه بأن محاربة الإرهاب يتطلب جهودا حثيثة وهو مسؤولية دولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود الدولية على جميع الأصعدة لمواجهته أمنياً وفكرياً ومالياً وإعلامياً وعسكرياً،مؤكدا بأن كل هذه الجهود يجب أن تكون تحت مظلة القانون الدولي.
عسكرياً، ناشد ولي العهد العالم تحت قبة الأمم المتحدة لدعم التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي تم تأسيس مركزه في الرياض من قبل أربعين دولة إسلامية، آملاً مشاركة المجتمع الدولي في دعم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب وتفعيله تحت مظلة الأمم المتحدة.
وفي لحظة صمت k كشف الأمير عن القضية الفلسطينية - العربية رغم ما تعيشه المنطقة من هزات وويلات وحروب ظنا من البعض بأنها القضية الغائبة ولكن في ذهن قيادة المملكة العربية السعودية حاضرة وبقوة وتؤكد المملكة أن المبادرة العربية للسلام هي الأساس لإحلال سلام شامل ودائم وعادل في المنطقة بما يمكّن الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. ولحديقة دول الخليج العربي الخلفية (اليمن السعيد) نصيب، والدور الذي لعبته المملكة ودول التحالف للحيلولة دون إسقاط الشرعية في اليمن من قبل فئة قليلة مدعومة من قوى خارجية إخضاع هذا الشعب العزيز بقوة السلاح وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم (2216) والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني.
مرورا على سوريا وليبيا والعراق سنقف على جمهورية إيران وما تعرضت له سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد في يناير الماضي للاقتحام والاعتداء، تحت مرأى السلطات الإيرانية التي لم تقم بواجبها في توفير الحماية الكافية وفق الاتفاقيات الدولية الملزمة، باسم المملكة العربية السعودية دعا ولي العهد الحكومة الإيرانية أمام مرأى العالم للقيام بواجباتها في هذا الشأن وفق مقتضيات القانون الدولي، وأن تكون علاقة إيران مع دول المنطقة قائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإنهاء احتلال الجزر الإماراتية الثلاث.
ثم ناشد سموه خلو المنطقة من الأسلحة النووية، وكافة أسلحة الدمار الشامل مطالبا بانعقاد المؤتمر الدولي لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. واستأثر حقوق الإنسان في السعودية وفق الشريعة الإسلامية،رافضاً لاستغلال حرية الرأي في إهانة وازدراء الأديان، منوها بتبني قوانين تجرّيمية بهذا الشأن.
رؤية المملكة (2030) التي تستند إلى المرتكزات الأساسية المتمثلة في العمق العربي والإسلامي والموقع الجغرافي الاستراتيجي والقوة الاستثمارية، ذكرها سموها لأهميتها وتوجهها فهي تهدف إلى النهوض باقتصاد المملكة وإحداث نقلة نوعية في قطاع الطاقة والصناعة والخدمات الصحية والتعليمية والسياحية وغيرها. والتي ستؤدي إلى إيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين، بالإضافة إلى فتح المجال بشكل واسع للقطاع الخاص من خلال تشجيعه ليكون شريكاً رئيساً مع الدولة في توفير فرص العمل للمواطنين -إن ذكر سمو الأمير لدور القطاع الخاص أمام العالم في التنمية سيثقل المسئولية عليه مما سيؤدي إلى زيادة الوعي لدى المستثمر المحلي وبهذا تكون حكومة المملكة العربية السعودية رمت بالكرة في ملعب القطاع الخاص ليشارك/ ليلعب دورا في التنمية المستدامة والتي تتطلب منه التنازل ولو بشيء بسيط عن الأرباح التي كان يجنيها في العقود السابقة .
ختاماً، أؤكد ما بدأ به ولي العهد بأن المملكة ستستمر في تحقيق كل ما فيه خير البشرية، وسوف تستمر في أداء دورها الإنساني والسياسي والاقتصادي، لتنعم الأجيال القادمة - بحول الله - بالسلام والأمن والاستقرار والازدهار.
حفظ الله الوطن وسدد رمي جنودنا في الحد الجنوبي ،،،،،