د. محمد بن خالد الفاضل
قامت بلادنا - ولله الحمد- منذ تأسيسها الأول قبل ثلاثة قرون على يد الإمامين المحمدين الصالحين الموفقين: محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، على أسس شرعية راسخة ثابتة مستمدة من الكتاب وصحيح السنّة حسب فهم سلف الأمة الصالح وتفسيرهم من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين الأربعة: أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة، وغيرهم من سلف الأمة الصالح أهل الاتباع البعيدين عن الابتداع، وعُرف هذا المنهج عند المعاصرين بالمنهج السلفي (أي اتباع السلف الصالح) وسُمي أصحابه بالسلفيين، وهناك من يسميهم بأهل الحديث أو أهل الأثر، وكلها تسميات يتشرّف بها من ينتمي إليها، غير أن هناك من ضَيّقها وحَوّلها إلى حزبية مقيتة خدشت نصاعة هذا المنهج ونقاء روحه ومشربه ومنزعه، ويحسب لعلمائنا الكبار والأعلام من آل الشيخ وابن باز وابن حميد وابن عثيمين وغيرهم أنهم اهتموا باللب والجوهر ولم تشغلهم التسميات، فلم يضف أحدهم لاسمه لقب: السلفي أو الأثري، لأنهم عُرفوا بذلك حقيقة وصاروا أعلامه ومراجعه.
ولما قويت دولتنا السعودية المباركة في أطوارها الثلاثة بسبب اعتمادها على الله ثم سيرها على المنهج النبوي السلفي المعتمد على القرآن والسنّة، الذي جدَّده بعد تخلخله وغبشه عدد من المصلحين عبر التاريخ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه، ثم بعد قرون جدَّده أيضاً الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بدعوته السلفية النقية القائمة على الكتاب وصحيح السنّة، وظهر لها صيت وغلبة ومنعة بعد أن تحمّس لها وتبنّاها منهجاً لدولته الإمام محمد بن سعود، فقامت عليها دولة قوية وحَّدت الجزيرة العربية كلها ووصلت إلى العراق، وظلت قوية شامخة إلى يومنا هذا - مع مراحل يسيرة من الضعف والفتور-، بعد هذا أدرك الأعداء وأذنابهم في الخارج والداخل خطورة هذه الدعوة فتآمروا عليها وتدارسوا أقرب وأيسر السبل لتشويهها في عيون المسلمين الذين اكتسحت ديارهم وأعجبوا بها ورأوا فيها الإسلام النقي الصافي الذي يذكِّرهم بقرون الإسلام الأولى، فتفتّقت قرائحهم عن نبزها بلقب جديد غريب هو (الوهابية) كي يوحي للمسلمين بأنها مذهب جديد ودعوة محلية خاصة، وذلك للتنفير منها وعزلها في محيطها الضيّق، بل تشكيك أهلها القريبين منها فيها، وقد نجح مخططهم إلى حد كبير وها نحن نرى بعض أبنائنا في صحفنا تنطلي عليهم هذه الخدعة ويبلعون الطعم ويشككون في قدرة هذه الدعوة على الاستمرار، وفي قدرة الدولة على الانطلاق وهي ما زالت متمسكة بها، بل إن بعضهم يُحَمّلها أوزار التطرف الذي أنتج القاعدة وداعش، ويتغافلون عن الحقيقة الكبرى التي رآها الجميع وهي أن القاعدة وداعش مولودان خرجاً من التزاوج الأمريكي الإيراني ولا علاقة لدعوتنا السلفية النقية بهما، أو بغيرهما من صور التطرف والتفجير والتكفير، حتى وإن أُوحي إلى بعض الداعشيين أن يستدلوا بنصوص من كتب أئمة هذه الدعوة القدامى والمعاصرين، فهم يستدلون أيضاً بالقرآن والحديث ولكن حسب فهمهم الأعوج المشبوه، وليس حسب فهم سلف الأمة وعلمائها الراسخين.
لقد ظهر واضحاً في هذه الأيام مدى التآمر على المنهج السلفي النقي حتى إن الأعداء استعانوا في حملتهم ببعض طوائف من أهل السنّة، فقد أغراهم نجاحهم بتأجيج الطائفية والحروب بين السنّة والشيعة إلى اختراق طوائف السنّة وضرب بعضهم ببعض، وكل هدفهم محاصرة التوجه السلفي الذي يشرب من القرآن والسنّة دون وسائط وهو الذي يخيفهم ويرعبهم عبر التاريخ، بل إنه الصخرة التي تتفتت عليها مؤامراتهم وخططهم الجهنمية، لكننا في هذه البلاد - بعد عون الله- نراهن على وعي قيادتنا وعلمائنا ورجال دولتنا ونسائها وشبابنا من الجنسين، وعلى لحمتنا وتماسكنا الذي لا تزيده هذه المؤامرات إلا ثباتاً ورسوخاً، ونتواصى بمضاعفة الجهود وإصلاح النية والعمل وتجويده ودوام التوكل على الله ودعائه بالحفظ والعون والنصر.