د.محمد بن عبدالرحمن البشر
اليوم في عالمنا العربي، تقع أحداث جسام، ويموت مجرمون ومذنبون وأبرياء، ويتولى الأمر غير أهله، وتعلو راية التطرف المذهبية والعرقية، وتتغير المعالم ووحدة الوطن والتراب، ولو كان الأمر قتالاً داخلياً ينتهي بانتهاء المعركة، وانتصار مجموعة على أخرى مع الحفاظ على الوطن لهان الأمر، لكنها متغيرات جسيمة وقع بعضها، والبعض الآخر ربما قد قرب وقوعه، هناك قتل أو تهجير ممنهج واضح المعالم، وأرض يتسابق الأقوياء على نيل أكبر حصة منها، ولم يعد قادة تلك الدول فيما يبدو قادة لها، لكنهم ظهروا كأدوات لقوى خارجية، ترتكز في نفوذها على المذهب، وليس على جلب الخير، والأمن وإسعاد الناس.
ألم ترو أن اللغة تغيرت؟ وأن الناس أصبحوا يتسابقون ويقاتلون تحت علم التطرف المذهبي؟ ناسين الأمن ورغد العيش، والأمل والمستقبل، يبهجون ويبهجون، فيصبح أولئك الناس المغرر بهم وقوداً لنفوذ دولة أو أخرى ليس لديها من القدرات سوى المذهب.
لنا أن نتصور كم من الأموال قد أنفقت، وكم من الرجال قد قتلوا، وكم من الشباب قد هجروا، ولم يعد للسواعد عملاً سوى قتل الأخ لأخيه، والجار لجاره في بلدان بقيت آلاف السنين موحّدة قائمة تنعم بخيراتها بدرجات متفاوتة، حتى وإن اعتراها بعض التأثر في فترات من تاريخها المديد إلاّ أنها بقيت محافظة على وحدتها.
دعونا نبدأ بقضية المسلمين الأولى فلسطين، وشأنها غير الأخريات، فقد شرد شعب بأكمله، وأحضر غيره ليعيش على أرضه بمعرفة من الدول الفاعلة في العالم، وهذا مرتكز على أساس ديني، وأن جمل ببعض العبارات غير المطبقة في الواقع.
أما العراق وسوريا فنرى عياناً بياناً تهجيراً ظاهراً، وتغييراً في طبغرافية السكان، إجباراً، وإحلال قوم بدل قوم بحكم الإجبار، لأسباب مذهبيه وعرقية، ويموت في ذلك الكثير من أبناء الوطن الواحد، وهذا الجرح لن يندمل بسهولة، طالما أن الدواء غير متاح، لأنّ هذه الأوهام والأورام ما زالت تعشش في عقول النافذين الأقوياء من رعاة المذهبية.
العراق نتمنى أن يبقى موحداً، ولا أجد مذمة من أن يكون البعض عوناً للآخرين في دمار بلده وتمزيقها بحجة نصرة المذهب والذّود عنه.
في سوريا، وهي الموحدة عبر آلاف السنين يحدث بها ما يحدث في العراق، ويقتل الجيش المواطنين، ويفرح المغلوب على أمره بتمزيق وطنه، وقتل أبناء جلدته الذين عاشوا آلاف الأجيال متحابين متراحمين.
ما دهاك أيها الجيش الأبي أن تقتل شعبك؟!!! وتزرع الحقد والكراهية، وتهجر قومك، وتبكيهم وتبكينا معهم عطفاً على أحوالهم، وحزناً على مصيرهم، وهم الشعب الكبير الذي أبرز الكثير من العلماء في شتى الميادين، وزرع الزروع، وأنتج الثمار، ووضع أسس الكثير من العلوم الإنسانية، وصنعوا الكثير من المعجزات، وذادوا عن حياضهم ضد الغزاة، من الأقوام الأخرى حرصاً منهم على وحدة الوطن وتنوع الثقافة.
محزن حقاً أن تلك البلاد العراق وسوريا، مهد الحضارة الإنسانية، ومنبع القوانين، ومن علموا الناس القراءة والكتابة، وأنجبوا صلاح الدين، عجباً أن يكونوا هكذا، ويعملوا في بلادهم وأهلهم ما نراه اليوم لمصلحة الغريب، بحجة المذهب الذي استخدم للتدخل من قِبل ذلك الغريب، وللبقاء على كرسي الحكم للقائمين عليه.
نحن نعلم أنّ الدول الكبرى النافذة لم تأت لإحلال السلام، وإنما لتحقيق مصالحهم، وتوسيع تأثيرهم، فيا رب كيف لتلك الأفئدة القاسية أن تنام قريرة العين، ومناظر والتهجير والدمار، ومن ثم تقطيع البلاد ظاهرة. وحسبنا الله ونعم الوكيل.