زكية إبراهيم الحجي
بعض المفردات الضبابية التي نغلف بها مشاكلنا الاجتماعية فتتماهى فينا وتتناهى إلى أسماعنا من وقت لآخر.. تُفضي إلى استنتاجات يمكن اختصارُ أسبابها بهيمنة شيء من ثقافات سُكِت عنها.. وتحتاج إلى كسر التابوهات التي حشرت فيها بدواعي الأعراف والعادات والتقاليد المتوارثة من جيل إلى جيل.. ورغم أن بعضها قد اختفى نتيجة التغيرات التي طرأت على المجتمع إلا أن كثيراً من صور هذه الثقافات المرفوضة لا تزال موجودة.. كما أن العديد من الأسر لا زالت متمسكة بها وترفض التخلي عنها
من هذه الثقافات ثقافة العيب.. ثقافة التابو التي لم نستطع تجاوزها.. ثقافة أشبه ما تكون بسجن وهمي تضع بعض الأسر نفسها فيه دون أي مبررات منطقية فقط لأنها ربطت نفسها بنظرة المجتمع وخشية كلام الناس.. وبتقاليد وعادات لا مبرر لها وبعيدة كل البعد عن تعاليم الدين والأحكام الشرعية وتنتقل من جيل إلى جيل وكأنها معيار للصواب والخطأ، ثقافة العيب ثقافة أخرجتها ألسن لوامة فسيطرت على أغلب قضيانا الحياتية وباتت تتحكم في السلوكيات والحياة المعيشية كاستهدافها لكثير من الوظائف الشريفة التي من الممكن أن تكون مصدر دخل لمن يمتهنها وتكفيه العوز ومد اليد وتُبعد عنه شبح البطالة الذي ما فتئ يُلقي بظلاله المخيفة على واقع الشباب وسلوكياتهم وعلى مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن ثقافة العيب المتداولة والملتصقة بالمهن الشريفة خاصة الأعمال اليدوية أو الحرفية والتي تشكل حضوراً لافتاً في حياتنا اليومية لكثرة استخدامها ما هي إلا أحجية تحتاج إلى مقاومة اجتماعية فالعيب هو أن تُكَرَّس ثقافة العيب بين الشباب والعيب أن يبقى الشباب عاطلاً عن العمل والكرة في ملعبه من خلال الفرص المتاحة، ومع ذلك لا يُقبل ولا يستثمر في المجالات المتاحة له.. وهذا هو العيب الذي يترتب عليه كثير من المشكل التي تعصف بالمجتمع، إن ثقافة العيب تحتاج في مقاومتها إلى ثقافة مضادة.. تحتاج إلى انتهاج عملية تغيير في القناعات والأفكار السائدة في بعض العقول وكسر القيود أمام المهن التي استعلى عليها الشباب ونفر منها لأن العادات والتقاليد المتوارثة حكمت عليها بالعيب وفي هذا إساءة لسمعة المهن المرفوضة وإلى سمعة أهلها الذين لم يرتهنوا لتلك النظرة القاصرة فاستفادوا وأفادوا. لا شك أن احتقار هذا النوع من المهن ووضعها في خانة المهن المعيبة له انعكاساته الخطيرة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية برمتها الأمر الذي يجعل التفكير في علاجها أمراً حيوياً ويتطلب رفع الوعي وتغيير الثقافة ذات النظرة السلبية للعمل الحرفي وتحرير العقول من الرواسب العالقة بها.. فالطير لا يأتيه رزقه في العش والأسد لا تُقدم له وجبته في العرين لكنهما يطلبان ويبحثان.. فما الذي يمنعك أنت أيها الإنسان الذي ميزك الله تعالى بالعقل والحكمة ألا تسعى.