عماد المديفر
من غير الصائب خلط الأمور، فمشكلتنا مع «جاستا» وإن كان منشأها لأهداف انتخابية سياسية داخلية في الكونغرس، إلا أنها مشكلة قانونية وليست سياسية. وحلها يتم عبر القانون الدولي، مع اتخاذ خطوات عملية تأخذ بعين الاعتبار القانون المحلي الأمريكي بهدف حماية مقدراتنا المالية والاستثمارية داخل الولايات المتحدة تحت أسوأ الاحتمالات.
وكنت قد تحدثت في مقالتي السابقة عن ثلاث نقاط أساسية لابد أن نضعها دائماً نصب أعيننا ونحن نتناول موضوع قانون «جاستا».. الأولى أن هناك من يعمل على ضرب العلاقات السعودية الأمريكية، بدءاً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. وحتى العمل على إقرار قانون «جاستا».. وهذه الجهات متعددة وتتفق على رغبتها في دخول منطقة الشرق الأوسط في أتون مزيد من الفوضى والدمار، ليسهل عليها تحقيق أحلامها الشيطانية.. يأتي في مقدمها إيران وتنظيم الإخوان المسلمين وما يتبعهما من تنظيمات إرهابية سنية كانت أو شيعية.
وتعلم هذا جيداً وكالة الاستخبارات الأمريكية.. حيث سبق وأشار إلى ذلك مايكل شوير -رئيس الوحدة الخاصة بتعقب ابن لادن في الـ «CIA» لمدة تزيد عن العقدين من الزمن - والذي وصف الدول العربية المعتدلة وبالأخص السعودية ومصر والأردن بأنها تمثل العدو الأول والهدف المباشر لتنظيم القاعدة وللحركات الإسلامية المتطرفة، في حين أن هذه الحركات الإرهابية تنظر للولايات المتحدة كعدو غير مباشر، وتطلق عليها اسم «العدو البعيد».. بحسب ما ذكر..
«شوير» هذا يعمل حالياً كمحلل سياسي، وأستاذ مساعد في مركز دراسات السلام والأمن بجامعة جورج تاون، بعد أن جرى استبعاده من الوكالة لآرائه التي وصفت بـ «المتطرفة».. كونه يصر على القول بأن أميركا تخطئ في الحرب على الإرهاب.. وأنها لم تكن هدفاً للتنظيمات الإرهابية إلا لكونها - بحسب وصفه- «تدعم السعودية ومصر والأردن في وجه الجماعات الإسلامية المتطرفة بما فيها إيران» وأن الحل من وجهة نظره يتمثل في أن تتخذ واشنطن موقف المتفرج ولا تتدخل بدعم طرف على طرف - بزعمه- وبناء عليه فلن يستهدفها الإرهاب.. وسيتصارع متطرفو المسلمين مع المسلمين المعتدلين ومع إسرائيل، وكأنه يقول: «فخار يكسر بعضه»..! وهناك تفصيلات لا يسع المقال لذكرها حول تأمين الطاقة أو مصادر بديلة وحفظ مصالح الولايات المتحدة وخلافه.
النقطة الثانية: أن الإرهاب المتوشح بغطاء الدين هو عدونا الأول.. وأننا سنواصل تعاوننا مع جميع الأصدقاء لمحاربته بكل السبل.. وأن هذه الحرب فكرية وإعلامية وتعليمية، كما هي مالية واقتصادية، وكما هي عسكرية.
والثالثة: أن الكونغرس الذي أقر «جاستا».. لم يقره لأنه يتآمر على السعودية! بل لأنه يعتقد أن الناخب الأمريكي يرى المصلحة في إقراره، ويحقق لأعضاء الكونغرس الشعبية التي يريدونها.
وكنت قد توقفت عند إستراتيجية التعاطي الكفؤة مع إقرار «جاستا»، وهي إستراتيجية ثلاثية الأبعاد (قانونية، سياسية اقتصادية، والتواصل مع الشارع الأميركي والرأي العام فيه «الدبلوماسية الشعبية»).
فأما البعد القانوني فأكاد أجزم أنه جارِ - تحسباً- التعاطي مع إقرار هذا القانون بكل جدية قانونية، والبدء في إجراءات دراسته بشكل مهني بحت، وعدم استبعاد كافة الاحتمالات بما فيها الأسوأ، وتجهيز الطعون الشكلية والموضوعية.. خاصة وأن هذا القانون يعيد المجتمع الدولي لما قبل معاهدة (وستفاليا) 1684م، ويناقض مبدأ السيادة والدولة الوطنية (القطرية)، ويكسر النظام الدولي الحديث، ومبادئ القانون الدولي، ويخالف ميثاق الأمم المتحدة.
وأما البعد السياسي فيتمثل في التحركات على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، وإبراز خطورة كسر مبدأ السيادة، وأثار ذلك السلبية، وأن المجتمع الدولي سيصبح كما لو كان في غابة، كما ينبغي التحرك نحو تعزيز مزيد من العلاقات مع الصين خصوصاً.. ومع عدد من الدول الأوربية ودول أميركا اللاتينية، بكل ما تعنيه كلمة (تعزيز) من معنى.. بحيث يصبح لهذه الدول مصالح حقيقية كبرى بالمنطقة. وبالطبع فإن الاقتصاد هو جوهر هذه التحركات، وهو ما يتوافق تماماً ورؤية المملكة 2030 في تنويع مصادر الدخل، وتعزيز مصادر القوة وتنويعها أيضاً.