د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** أرقه سؤال صديقٍ عن مدى الحاجة إلى تخصيص بعض خطب الجمعة عن ظاهرة الإلحاد، وكانت الإجابة المباشرة أن من يضعون جباههم على الأرض تعظيمًا لله لا يحتاجون إلى وعظٍ أو تذكير، ثم كان التعليق المتأني: ومن قال إن منبر الجمعة يخصُّ المصلين وحدهم في زمنٍ صار الناس فيه يتناقلون التغريدة ذاتَ السطر حين تمسُّ قضيةً تُهمهم؛ فكيف بخُطبةٍ وخطابٍ ومقالٍ؟!
** أرقه أكثر حين وصلته رسالة خاصة من صديق يرى عبثية الحياة وما بعدها،وكاد يبلغ مرحلة اليأس من مدد السماء باحثًا عما يطمئن قلبه على راحليه، وأيقن أن بعض الوعظيات ترقق قلوب المؤمنين بها فقط وقد تنفر غيرهم.
** استعاد من مرحلة الشباب المبكر الذي سبق زمن الصحوة انتشارَ ظاهرة « غير المؤمنين « ممن أثاروا الغبار» الوجودي» حول القيم المطلقة، وحينها كان هاجرو المساجد أكثرَ من مرتاديها، واستقبل المشايخ حينها استفهاماتٍ تشكيكيةً فأجابوا أو تجاهلوا أو حسبلوا وحوقلوا لتخفيَها فترة الصحوة الدينية في الثمانينيات وتئدَها الصحوة السياسية في التسعينيات، لكنها انبعثت في العقد الثاني من الألفية فكأن الدورة المجتمعية قد عادت إلى حيث كان المجتمع قبل ثلث قرن أو يزيد قليلا.
** لعلنا نستعين بالرقم؛ فأتباع الديانات السماوية الثلاث يُكوِّنون 49% من مجموع سكان العالم والملحدون 12% والباقي للديانات الأخرى، والمتيقن أن النسب غير دقيقةٍ بصورةٍ يمكن الاطمئنان التام إليها غير أنها مؤشر يُستدلُّ به على متغيرات التفكير والدخول في دورة ثقافية جديدة تستحق الالتفات، ولعل المجاهرين بأسمائهم وصورهم عند طرح مشروعهم « العقلاني» - كما يسمونه - يؤكدون جدية التحولات.
** ومثلما وثق مصطفى محمود رحلته من الشك إلى الإيمان فقد جاء سعيد بن جبلي المغربي المتدين الذي يحفظ القرآن الكريم ليسجل رحلته العكسية من الإيمان إلى الشك، واستعدنا تأريخًا مشابهًا سطره على مدى نصف قرن عبدالله القصيمي من لدن كتابه التحولي «هذي هي الأغلال» الذي أصدره عام 1946م حتى وفاته.
** الفضاءُ كما الأرض مملوءان بما يؤكد يقينية التبدلات العنيفة التي بدأنا نلمسها ونتوقع امتداتها الطولية والعرضية خلال الأعوام القادمة، والاتكاءُ على الخطابات العلنية الموغلة في النمطية لن يجدي في القراءة والاستقراء.
** سيتضاءل دور المفتي والواعظ والخطيب والكاتب ما ظل أفقهم محصورًا بين مشرق حيواتهم ومغربها، وما دامت مرجعياتهم انكفائية أو اكتفائيةً ترى المسافة الواصلة بين الرأس والقدم دون أن تعتمر عقولًا دائريةً ومربعةً ومثلثةً تتغير زواياها الاستشرافية مع ترحل مطالع الشمس وتجاوز معطيات الهمس؛ فلكل يوم مطلعُه ولكل هامسٍ منبعُه.
** نحن في زمن يستحيل فيه التنبؤُ بما سيجيءُ سواءٌ أكانت المقاييس سياسية أم اقتصادية أم مجتمعية أم فكرية، وربما كان للعقلنة والتنوير - بمعانيهما الاصطلاحية - اليدُ العليا في الدورة الجديدة.
** الحركة اتجاه.