د.علي القرني
القاعدة الذهبية التي يجب حفظها عن ظهر قلب وتطبيقها على أرض الواقع هي «لا تستعدي الإعلام»، فالإعلام جبهة كبيرة وعريضة ومن الصعوبة بمكان أن تستعديه ضدك كفرد أو مؤسسة أو حتى دولة. وهنا نتذكر حالتين قديمة مع شركة كورفيست وجديدة مع دونالد ترامب المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، تعرضت المملكة العربية السعودية لحملات شعواء من جهات مختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية، مما اضطر السفارة السعودية في واشنطن أن توظف شركة كورفيست كشركة علاقات عامة للمملكة تدافع عنها في ذلك الوقت. ومن خلال هذه التجربة لهذه الشركة نستطيع أن نقول إن الشركة قد وقعت في أخطاء فادحة في حملتها، وكأن هؤلاء الأشخاص لم يعرفوا قواعد اللعبة الإعلامية. وأحد أكبر هذه الأخطاء هو استعداء الإعلام الأمريكي مباشرة والاستقواء بالبيت الأبيض. فظهرت إعلانات في الصحافة الأمريكية تحت مضمون يمكن تلخيصه في العنوان التالي: (لا تثق بالإعلام، وثق بالرئيس)، ومعناه أن الإعلان يتجه للجمهور مشيداً بدور الرئيس الأمريكي جورج بوش في ذلك الحين، بينما يوجه اللوم إلى وسائل الإعلام التي كانت تنشر وتبث رسائل سلبية ضد المملكة. وبناء على هذه المعطيات حاولت شركة كورفيست للعلاقات العامة أن تستعدي وسائل الإعلام وتستقوي بالرئاسة الأمريكية.
هذه الحادثة من شركة كورفيست شكلت كارثة للحملة التي استهدفتها الشركة للدفاع عن المملكة، فقد شكلت نقطة سلبية جداً في عمل الحملة انعكست في مزيد من الاستعداء الإعلامي للمملكة ومواقفها. وقد أثارت هذه العبارة التي ظهرت في بعض الصحف الأمريكية سخط الإعلام، حتى إن بعض الصحف رفضت نشر الإعلان رغم قيمته الكبيرة.
ونفس الخطأ وقع فيه في الوقت الراهن مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب الذي يصرح ويصرح ويلقي خطاباً وراء خطاب يشير إلى تآمر المؤسسات الإعلامية ضده، وأن التغطيات السلبية ضده هي عبارة عن مؤامرة يحيكها الحزب الديموقراطي برئاسة مرشحته الرئاسية هلاري كلنتون مع وسائل الإعلام من أجل إسقاط فرص ترامب من الفوز برئاسة الولايات المتحدة. ومثل هذه التصريحات والخطابات التي تستعدي وسائل الإعلام الأمريكية ضده هي بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على الفرص المتبقية لترامب خلال الأسابيع الثلاثة المتبقية حتى موعد الانتخابات يوم الثلاثاء 8 نوفمبر.
ونتيجة لتصريحات ترامب ضد وسائل الإعلام وحديثه المستمر عن نظرية المؤامرة التي تعمل ضده، فقد بدأت وسائل الإعلام تكشر عن أنيابها، وتبدأ تحقيقات استقصائية تلفزيونية أو صحافية تكشف بعض خفايا من شخصية دونالد ترامب. وانبرت صحيفة نيويورك تايمز وصحيفة واشنطون بوست وغيرهما من الصحف في نشر فضائح عن المرشح الجمهور، كذلك زادت محطات وشبكات تلفزة أمريكية كـ سي إن إن من جرعاتها السلبية، وبدأت تسلط الأضواء على حياته السابقة، وهي حياة حافلة بالانفلات الأخلاقي. ويكفي أن مثل هذه القنوات هي التي أعطت الفرصة لثماني نساء وربما أكثر أن يبثثن عن علاقات أو لقاءات كانت بينهن وبين دونالد ترامب.
وعوداً على بدء، فإن استعداء الإعلام هو محاولة خطرة تؤدي حتماً إلى استعداء هذه الوسائل لك كفرد أو مؤسسة أو دولة أو مجتمع. وهنا تكمن خطورة كبيرة تواجهنا إذا وضعنا في أذهاننا أن نستعدي الإعلام سواء محرراً أو كاتباً أو صحيفة ورقية أو إلكترونية أو محطة إذاعية أو تلفزيونية، وهذا ما كشفته أمثلة سابقة، وهذا ما تكشفه أمثلة وشواهد حية في اللحظة الراهنة.