د. فوزية البكر
كل منا سيبكي على والدته لو فقدها وسيدعو ويتصدق لها لكن الأبقى والأعظم لها وللوطن هو ما فعلته الدكتورة سعاد العامر حين بدأ السرطان ينهش صدر الحبيبة والدتها زهرة عام 1994 . تقول د. سعاد: كانت والدتي تسألني حول المرض وكان لابد أن أقرأ وأعرف حتى أجيبها على أسئلتها وكانت تقول لي (لازم السيدات يتوعون بهذا المرض ويهتمون للمعرفة بنفسهم ويسوون الأشعة).
تقول د. العامر: حملت هذه الرسالة منها وشعرت أنه يجب أن أبدأ في توعية سيدات مجتمعنا بهذا المرض وأهمية الاكتشاف المبكر له ولا سيما أنه في تلك الفترة (1997) حين فقدت الغالية لم يكن هناك أحد يستطيع أن يتحدث عن هذا المرض، إذ كانت كلمة السرطان مخيفة كما هي كلمة الثدي معيبة!
وبجهود فردية بدأت حملات توعية للجمعيات النسائية التي جمعتها تدريجيا مع العديد من المتخصصات في مجال الأورام والطبيبات وأخصائيات التغذية والتجميل والعلاج الطبيعي والأشعة الأمر الذي شكل نواة أتاحت لها عبر عملها في مركز الأبحاث في المستشفى التخصصي بالرياض أن تشكل ولأول مرة في المملكة عام 2003 ما عرف بالبرنامج الوطني للتوعية بسرطان الثدي.
بدأ البرنامج حملات توعية لبعض مناطق المملكة في بيئة نسائية كانت شغوفة بالتعلم وإجابة الأسئلة لكن القناعات الثقافية والتقليدية كانت تردعهن عن الرغبة في عمل شيء لحماية أنفسهن وكأن نسيان الموضوع سيدفع عنهن الإصابة.
وجد فريق العمل أن طموحاتهن في التوعية أكبر بكثير من قدراتهن الذاتية وبدا وبعد خبرات عديدة وتواصل مع جمعيات مماثلة على مستوى العالم أن الحاجة ماسة إلى مأسسة الأعمال التطوعية والجهود التوعوية المتناثرة وذلك بإيجاد فريق عمل دائم وسكرتارية تضمن استمرارية تواصل فريق الحملات وتنسق جهود فريق العمل الضخم الذي يجب تخصيصه لكل مريضة.
من هنا انبثقت فكرة إنشاء جمعية متخصصة للتوعية بسرطان الثدي كأول جمعية في المملكة وبفريق عمل تطوعي في مجلس الإدارة وفي لجان العمل المختلفة. كان من أهم أهداف الجمعية نشر الوعي بأهمية الفحص المبكر عن طريق الفحص الذاتي وفحص أشعة الثدي (الماموجرام) وتم تفعيل ذلك باستخدام كل الوسائل من محاضرات وندوات وتواصل بالأجهزة الذكية وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
لاحظت الجمعية أيضا أن المصابات بسرطان الثدي في أنحاء كثيرة من المملكة لا يحصلن على أكثر من الخدمات العامة المقدمة للمرضى العاديين فكان من أهدافها تدريب أطباء الرعاية الصحية الأولية والأخصائيات والمثقفات الصحيات لتقديم خدمات متخصصة لمريضات سرطان الثدي تضمن تقديم كافة خدمات ما بعد اكتشاف الإصابة وما بعد العلاج وعمليات الدعم الطبي والنفسي والأسري والتجميلي والذي سيكن في أشد الحاجة إليه.
برامج المسح الشامل لمناطق المملكة كانت الشغل الشاغل للجمعية التي نجحت عبر نشاط عضواتها بعقد شركات واتفاقيات مع جهات حكومية وخاصة لإنشاء عيادات الفحص المبكر لسرطان الثدي إذ لو أن الله كتب لوالدة د سعاد السيدة زهرة أن تكتشف إصابتها قبل أن يصل إلى المرحلة الرابعة لربما كان قد كتب لها عمر!
اليوم تحتفل جمعية زهرة لسرطان الثدي بعامها العاشر حيث تشعل الناجيات أو المتعافيات من هذا السرطان وقود الحملات المقبلة إذ في كل دورة تقدم إحدى الناجيات تجربتها لغيرها من المصابات لتزرع الأمل فيهن ولتحث الأخريات على تقديم خدماتهن لمن يحتجنه.
تجربة زهرة وتحديدا د.سعاد العامر وفريق عملها من الطبيبات مثل د. نوف الضويان وكثير من المتخصصات اللاتي معهن ممن يقدمن خدماتهن التطوعية لمريضات الجمعية دون توقف أثبتن أن الوطنية الحقيقية هي في تحويل المخاوف إلى واقع خدمي والانتقال بآلامهن لفقد من أحببن إلى مستوى خدمة المجتمع بحيث ملئن فراغا حقيقيا لما تحتاجه نساء هذا الوطن.
نموذج جمعية زهرة التي كان للملتقى الأحدي النسائي بالرياض (والذي أتشرف بكوني إحدى مؤسساته) شرف تكريمهن يوم الأحد 26 سبتمبر 2016 هو أحد النماذج الوطنية المتفردة وجهد إنساني ذو نفس طويل يستحق أن ينشر ويقرأ عنه ليكون نموذجا يشجع ظهور نماذج جديدة داخل البيئة المحلية تسعى لتقديم خدمات تطوعية في مجالات مختلفة: هذا ما نسميه: الوطنية.