خالد بن حمد المالك
يلاحظ على دول العالم، الكبرى منها تحديداً، أن مواقفها وسياساتها انتقائية بامتياز، أحياناً لمصالح لها، وفي بعض الأحيان لأسباب غامضة ومجهولة، وقد تتسم بالقوة في موقف، وربما في موقف آخر تكون بتراخيها وضعفها من باب أداء الواجب أو المجاملة ليس إلا.
* *
هذه المواقف الرخوة، أو تلك التي تكون حازمة، لا نجد لها تفسيراً أو تبريراً، فتارة تكون إما استعراضاً للقوة، ومجاهرة لتأكيد تسيدها الموقف، والإصرار على تأديب كل من يتجرأ في الخروج عن بيت الطاعة للدول الكبرى، أو أنها تارة أخرى كمن لا يعنيها التعامل مع هكذا تطورات مستجدة، فيكون موقفها غير مبال وغير مهتم بما يجري.
* *
أحياناً ينظر المتابع إلى تصريحات المسؤولين في الدول الكبرى رغم تناقضاتها على أنها نوع من اللعبة الدبلوماسية بين الدول، فهذا يشد وهذا يرخي، وفي النهاية لا يترجم الاختلاف في السياسات، واختبار موازين القوة، إلى تصادم أو تباعد وتباين في وجهات النظر على الأهداف بين الطرفين.
* *
فهناك مصالح مشتركة تدفع بهما إلى هذا الاتجاه، أي في محافظة كل منهما على مناطق النفوذ الخاصة به، والتعامل مع المستجدات في العالم وفق مصلحة كل طرف، بحيث يتم تقريب وجهات النظر بالدبلوماسية الهادئة، وإن ظهر في العلن عبر وسائل الإعلام ما يناقض ما يجري في السر داخل الغرف المغلقة.
* *
لاحظوا قوة التهديد الروسي لأمريكا والغرب، فيما لو أقدموا على تصعيد تدخلهم العسكري في سوريا، وما سبقه من إشارات بتدخل عسكري أمريكي غير مسبوق، ثم تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن تصريحاتها بأنها مصممة على التدخل بضربات عسكرية، واستعاضتها عن ذلك فيما بعد بالدبلوماسية الناعمة، والحوار الهادئ.
* *
يعني أن يستمر القتال في سوريا، أن تنهك البلاد، ويقتل الشعب، وتتحول حلب وغير حلب إلى محرقة للأبرياء وغير الأبرياء، ولا ينتهي الاقتتال، إلا وقد أصبحت سوريا مهيأة للتقسيم، وجاهزة للدفن، والتسليم بقدرها المحتوم، طالما أصبحت في وضع من لا حول له ولا قوة في أخذ الطريق الصحيح.
* *
عالم بين ظالم ومظلوم، بين كبير وصغير، ليس أمام المظلوم إلا أن يدفع ثمن كرامته أمام العدوان بتعريض حياته للقتل في الساحات والميادين، أو تركه بين الأنقاض ينتظر مصيره، إذ لا مجيب ولا معين ولا نصير، في زمن اختلطت فيه الأوراق والسياسات، مع سرعة ترجمة الاختلافات بين الكبار بقتال في أراض محايدة.
* *
هذا غيض من فيض، وتوصيف ناقص للحالة التي تعيشها منطقتنا، حيث يتصارع الكبار، ويترجموا خلافاتهم عندنا، ويجربوا ويختبروا أسلحتهم في أرضنا، ويمارسوا غطرستهم بإظهار قوتهم بين جنباتنا، مع قيامهم بفتح الطريق للمرتزقة، وتسهيل وصولهم إلى ميادين القتال، ليكونوا جزءاً من المعادلة في هذه الحروب الطاحنة المفروضة علينا.