محمد أبا الخيل
اعتدت أن أكتب مقالي صباح يوم الإثنين في معظم الحالات، لذا أمضي يوم الأحد في تكوين فكرة المقال، فأستذكر ما أثار اهتمامي من أحداث أو طروحات في مقالات بعض الكتاب أو أفكار تبلورت من حديث مع ذوي التخصص والحكمة.
في هذا (الأحد) سيطر على ذهني شعور بأننا بتنا مجتمعا متذمرا من الحياة التي نعيشها، فمعظم مقالات الكتاب المنتظمين في الصحف السعودية هي نقد وتذمر من الحالة المعيشية، نقد للوضع الاقتصادي والواقع السياسي وتذمر من سلوكيات وتصرفات بعض فئات المجتمع وتشكي من ضغوط الحياة وسوء الخدمات وغلاء المشتريات وقصور المسؤوليات وفوضى المرور وكثرة الزحام وقلة التنظيم في الأعمال والحاجات، وفي وسائل التواصل الاجتماعي تسيطر السخرية على كل ما يطرح حول شؤون المجتمع الحياتية.
ونظرت فيما كتبت أنا خلال الشهور الستة الماضية فوجدت أني لم أختلف عن الباقين فمعظم مقالاتي كانت نقدا لحال ما من أحوال المجتمع، وبدر لذهني أن هذا الكم الهائل من النقد الذي يحيط بنا كل يوم سواء أكان في مقال كاتب أو تغريدة متوتِر والذي يعبر عن عدم الرضا عن الواقع المعاش سيتراكم في المحصلة الفكرية للمجتمع وينتج شعور جمعي بالإحباط، حيث ثبت في كثير من الدراسات الاجتماعية أن الشعور بعدم الرضى هو شعور معدي ينتشر بين الناس ويخلق ذهنية قلقة لأفراد المجتمع، هذه الذهنية تؤثر في الحالة الصحية الفسيولوجية، وتوثر في الحالة الصحية النفسية، وينعكس ذلك على الجدية في العمل والإنتاج ويتعدى إلى حالات من الإهمال في التربية والتعلم والاستمتاع بالحياة.
لاشك أن لدينا ما يستحق النقد والتذمر في مجريات حياتنا، ولكن أن يكون ذلك بصورة لازمة للمعيشة اليومية فهو مقلق ومؤثر على البناء الاجتماعي السليم، وخصوصاً عندما يكون ذلك الأمر الباعث على النقد أو التذمر خارج القدرة الذاتية على الإصلاح، أو هو لازم قسري للواقع، فكثير من تذمرنا هو من هذا النوع من الشؤون، فمحيطنا الجيوسياسي ملتهب وإقتصادنا يعاني وتخطيطنا غامض ودخولنا في انخفاض ومصاريفنا في ازدياد والمستقبل رهن أحداث وصيرورات مجهولة العواقب.
نعم، لدينا الكثير مما يقلقنا ويشغل أذهاننا، ولكن لِمَ لا نقبل ذلك كواقع حياتي يتحدى كينونتنا وطريقة معيشتنا وننظر لذلك من منطلق التفكير الإيجابي، ففي التحديات فرصة للتعلم والمعرفة وتطوير المهارات وبناء القدرات و تطوير المنتجات، فكل ما علينا هو أن ندرك أن في واقعنا فرص عظيمة لتحقيق الكثير من الأمال والتطلعات، والنظر بعين الرضا والطموح عما يكتسب بالجهد والإصرار مهما كان محدودا، فذلك حافز على مزيد من الجهد والكسب.
اشتكى رجل لحكيم في بلدته من ضيق الحال وكثرة الهموم وقلة الحيلة، فقال له الحكيم « ضع جرة في بيتك وفي كل يوم تشعر بهم يلم بك أكتب ذلك في ورقة وضعه في الجرة وبعد شهر أحضر الجرة لي « ففعل الرجل وأحضر الجرة للحكيم فأفرغ الحكيم قصاصات الورق وجعلها أمام الرجل وقال « أنظر فيها وأخبرني مالذي لازال يمثل لك هم مقلق ؟» فجعل الرجل يقلب ويقرأ الورقات حتى فرغ منها فنظر للحكيم وقال « معظمها لم يعد هم مقلقا « فقال الحكيم « كل هم مقلق حتى تفعل أمرا حياله، كتابة همومك على الورق وجعلها في الجرة حرر ذهنك من القلق، وجعلك تركز على مواجهة شؤونك بحلول عملية، ومع الزمن تعلمت كيف تواجه همومك بفعل أمر حيالها «. العبرة من هذه القصة هي (أن الهموم هي حالة ذهنية ليس لها تأثير على ما يثيرها).