د. عبدالواحد الحميد
يتصور البعض أن بلادنا فقيرة في مجال الآثار والتراث الوطني، لكن العكس هو الصحيح، وكل ما في الأمر أن هذا القطاع لم يكن يحظى بالاهتمام الكافي، بل إن مجرد الدعوة إلى الاهتمام بالآثار والتراث الوطني كانت تلقى معارضة من قبل البعض!
وفي السابق لم يكن هناك إدراك كاف للأهمية الاقتصادية لقطاع الآثار والتراث الوطني. الآن عرف الجميع أن هذا القطاع يمكن أن يكون أحد المصادر المهمة للدخل الوطني مثلما هو الحال في بلدان كثيرة من العالم، وهو يتكامل مع قطاعٍ أكبر هو قطاع السياحة الذي يدر سنوياً ملايين، بل مليارات، الدولارات على بعض البلدان.
وإذا كان حديث الإعلام عندنا منذ بعض الوقت هو برنامج التحول الوطني وتنويع مصادر الدخل فإن التوقيت المناسب لنهوض حقيقي وجوهري بقطاع الآثار هو الآن.
لقد حدثت خلال السنوات القليلة الماضية إنجازات كبيرة في مجال إحياء التراث وترميم العديد من المواقع الأثرية، لكن ما يمكن إنجازه في المرحلة الراهنة وفي المستقبل القريب أكبر بكثير مما تم حتى الآن لأن العديد من التحفظات السابقة سقطت ولأن الحكومة ممثلة بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تتبنى بشكل علني وجدي تطوير قطاع السياحة والآثار والتراث الوطني ولأن الاستراتيجة الاقتصادية للدولة بشكل عام ترتكز على مفهوم تنويع مصادر الدخل بدلاً من الاعتماد على مصدر وحيد ناضب هو النفط.
وقد صرح سمو الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أثناء زيارته ووزراء السياحة بدول مجلس التعاون الخليجي للمعرض السنوي الثاني للحرف والصناعات اليدوية لمجلس التعاون الخليجي أن الهيئة تُجري حالياً دراسة بالتعاون مع اليونيسكو ومنظمة السياحة العالمية والبنك الدولي بهدف تقويم الأثر الاقتصادي الذي يتحقق من المحافظة على التراث الوطني، وتوقع أن تسفر الدراسة عن «أرقام هائلة لاقتصاد جديد يُحْدِث نقلة في الاقتصاد».
هذا جيد، ومن المعروف أن الدراسات التي أجريت في أماكن أخرى من العالم حسمت أهمية الأثر الاقتصادي للتراث الوطني وهذه الدراسات متاحة لمن يريد الاطلاع عليها في المواقع الإلكترونية، كما أن التجارب الفعلية للعديد من الدول أثبتت هذه الأهمية.
المرحلة الحالية تتطلب الانطلاق وبسرعة كبيرة في هذا الجانب كجزء من عملية كبرى للتحول الوطني، ليس فقط من منظور اقتصادي وإنما من منظور ثقافي أيضاً، وقد قرأنا ما قاله الكاتب المصري يوسف زيدان قبل مدة في أحد اللقاءات الثقافية العربية ساخراً من آثارنا وتراثنا الوطني وكان رد العقلاء عندنا هو أن تكذيب مزاعمه لا ينبغي أن يكون بالأقوال فقط وإنما أيضا بِحَثّ الخطى وتسريع عملية إحياء تراثنا الوطني ونفض الغبار عن آثارنا التي تشهد لهذه الجزيرة العربية بحضارة مجيدة أسهمت في إثراء الحضارة الإنسانية.