محمد سليمان العنقري
قانون جاستا نسف مفهوم احترام سيادة الدول مهما حاولت الاوساط السياسية بالكونجرس ترقيع الصورة السلبية له، ورد فعل المجتمع الدولي الرافض له دليل قاطع على الفوضى التي يمكن ان يخلفها هذا القانون، اما كونه لم يحدد دولة معينة ولكن صيغته باتت واضحة بانها تستهدف المملكة، وقد حذرت السعودية في بيانات رسمية عديدة من خطورة القانون مطالبة الكونجرس بإعادة النظر به وهو الذي رفض الفيتو الاوبامي الهش على القانون، وبغض النظر عن تدارك بعض النواب الامريكيين لكارثة جاستا واتهامهم البيت الابيض بعدم توضيح سلبياته على مصالح اميركا وسياسييها وعسكرييها بالعالم؛ لأن لها في اغلب الدول بصمات كارثية تسببت بمقتل عدد كبير من مواطنين مدنيين بدول كالعراق وفيتنام وافغانستان وسلسلة لا تكاد تنتهي من تاريخ ممتد على مدى عقود طويلة منذ بداية الهيمنة الامريكية الدولية، لكن بكل تأكيد لم تكن الصيحات والاتهامات بين الكونجرس والبيت الابيض تتطرق لاهمية الحفاظ على علاقات قوية مع الحلفاء؛ أي أن اميركا لم تعد تلك الدولة التي يمكن ان تقرأ سياستها الدولية ومبادئها فيها كما كانت بالسابق ولعل تراجع الدور الامريكي بالاقتصاد العالمي، ودخول لاعبين جدد اصبحوا اكثر اهمية وتاثيرا اقتصاديا منها كالصين والاقتصادات الناشئة، بالاضافة لتفاقم وضعها الاقتصادي حيث وصلت الديون السيادية لقرابة 19 تريليون دولار بينما اجمالي الدين الحكومي والشركات والافراد فقد قارب 37 تريليون دولار ما يعادل 25% من اجمالي الدين العالمي البالغ 152 تريليون دولار يشير الى احتمال الوقوع بكارثة اقتصادية تطيح بهيمنة الاقتصاد الامريكي الدولية والتي تقلصت لاقل من عشرين بالمئة، بعد ان كان يستحوذ على ثلث الاقتصاد العالمي.
إن خطورة قانون جاستا بأنه يؤسس لأسلوب جديد بالهيمنة والغطرسة الاميركية ويبتعد بها عن الدولة التي طالما تغنت باهتمامها لمجتمع دولي يعمه السلام ومبني على الاحترام بين الدول وحفظ سيادتها، فالمراقب للتغيرات بالنهج السياسي الامريكي من بعد سبتمبر2001م سيجد انها باتت تسابق الزمن لابقاء سيطرتها العالمية لكن ثقل الديون وبزوغ قوى جديدة لم يعد بالامكان اضعافها او تقليل تاثيرها انتقل باميركا لاستخدام اساليب اقرب للابتزاز ولن يسلم منها أحد مما يتطلب استثمار الموقف العالمي الرافض لجاستا وحشده من قبل تحرك الدبلوماسية السعودية لتشكيل جبهة تستخدم المنصة الاممية لاصدار قرارات تمنع نزع سيادة الدول واحترامها حفاظا على مصالح الشعوب ومكتسباتها والا فإن الكثير من الدول ستلجأ لذات الاسلوب لاصدار قوانين مشابهة كما ان الضغط من خلال التكتل العربي والاسلامي سيسهم بدعم المواقف الدولية الاخرى الضاغطة على اميركا لالغاء القانون او تعديله بما لا يسمح بمس سيادة الدول.
اما على الجانب الاستثماري للاصول السيادية السعودية فلا اظن ان هناك شيئا يستحق الانتظار وغالباً لن تبقى الاستثمارات معرضة لأي مخاطر بتجميد بعضها اذا ما استمر الامريكان في نهجهم واستصدرت محاكمهم قراراً بتجميد اي اصول حكومية، لكن ذلك لايبدو كافياً اذ من الضروري اتخاذ القرار بالتغيير الاستراتيجي للاستثمار السيادي عموماً وباميركا خصوصا للمستقبل البعيد وليس القصير فقط ، وهو ليس اقتراحاً مبني على ردة الفعل على القانون بل لتعزيز الاتجاهات الاستثمارية المستقبلية بموجب التطورات الاقتصادية العالمية والسياسية كذلك ، فلم تعد اميركا مكاناً آمناً للإستثمار حتى اشعار اخر فمن المعروف ان للاستثمار حساسية عالية اتجاه اي خلل مهما كان بسيطاً خصوصا الدولي لانك تحتكم لقوانين تلك الدول ولا يمكن ان تؤثر بها لذلك بات التحوط مطلباً بتقليل الاستثمار العالمي والتركيز على ما نحتاجه منه مع تعزيز ورفع حجم الاستثمار المحلي لانه هو ما يولد فرص العمل ويقلل الاعتماد على ايرادات النفط ويعزز المكانة الدولية اقتصادياً وتجارياً.
قانون جاستا كل ما جاء فيه سيئ الا نقطة واحدة انه جرس انذار ما زال مجانياً لقراءة التغير بأميركا وضرورة اتخاذ الاستراتيجية الانسب للتعاطي معها بما يخدم مصلحتنا، ولا يسمح بأي ضرر ينجم عن ما يحدث فيها من تحول كبير سواء بسياستها الخارجية او بإقتصادها المثقل بالديون، وكذلك نوعية من يصلون لقيادتها بمختلف مؤسسات الحكم التي باتت في بعض تصرفاتهم مدعاة للسخرية عالمياً كما يحدث من تراشق سوقي بالالفاظ والاتهامات بين مرشحي الرئاسة فيها حالياً.