هدى بنت فهد المعجل
كثيرا ما نسمع كلمة شخصنة الحوار، شخصنة الكلام، شخصنة الأفكار، وقد يجهل أغلبنا معنى كلمة «شخصنة» التي هي تقترب من «القدح في الشخص» حيث أنها مغالطة ترتكب في حق فلان من الناس لمجرد أن كلامه غير مقبول أو أفكاره ولا يملك الطرف الآخر رد كلامه أو مقارعة أفكاره بأفكار غيرها فيقدح في الشخص ويتعرض له أو يمس سلوكه وأخلاقه بأن يجسد الشيء ويضفي عليه صفة الآدمية، أو يجعل المسألة ذات صيغة شخصية.
وأيضاً الشخصنة هي الحكم على الأفكار أو الأحداث من خلال الشخص المنسوبة إليه، لا من خلال مضمون الفكرة أو طبيعة الحدث وظروفه. ويقصد بالشخص هنا الشخص الحقيقي أو الشخص المعنوي (جماعة- فرقة - طائفة- حزب - مذهب). وقد يتم تقديس الأفكار والآراء والمواقف والأحداث لأنها ارتبطت بفلان بالتالي يتم شخصنتها بالتعظيم، وهي أشياء مشاهدة وملموسة من العامة والمجتمع في علاقته مع بعض آراء السلف ومواقفهم وأفكارهم وبعض من آراء الخلف كذلك.
في مقابل الشخصنة بالتعظيم تبرز الشخصية بالتحقير أو التقزيم عندما يحدث ازدراء أو إدانة أو استهانة لبعض من الآراء والأفكار أو المواقف أو الأحداث عندما يتم ربطها بشخص متهم أو مصنف تصنيفاً معيناً مثل علماني ليبرالي شيوعي اشتراكي رافضي ناصبي وهكذا بالتالي يتم نسف الرأي والفكرة والموقف والحدث تقزيماً لمن صدرت عنه مهما جاءت قوة الفكرة أو الرأي أو الموقف أو الحدث.
الشخصنة لا ترتبط بزمن ولا بمكان ولا بحياة أو موت حيث من الوارد رد ورفض ومصادرة آراء وأفكار ثلة من العلماء والمفكرين العرب أو الغرب أحياء أو أموات معاصرين أو في القرون الغابرة والسبب الشخصنة. كثيرًا ما نمر بمواقف من أقرباء أو غرباء عندما يجدوننا نقرأ كتاباً للمفكر فلان العربي أو الغربي أو الفيلسوف الغربي فلان، فيقولون لماذا تقرؤون لهذا أنه يساري أو لا أدري أو ملحد أو أو فهل أنا كقارئة معنية بإلحاده أو فسقه أو حتى استقامته وتشدده أم معنية بالكم المعرفي الذي اشتمل عليه كتابه وتحقق في محاضراته وإنتاجه.
وقد يكون من قال عنه هذا الشيء كلامه خلاصة كلام من سبقه من يؤمن بكلامه ويثق به لأنه عظّمه تعظيمه للكلام والرأي الصادر منه والعكس صحيح أيضاً.
مسألة الفصل بين الأفكار والأحداث وبين أصحابها ضرورة يصعب العمل بها لذا نجد في الجوائز الأدبية والثقافية والعلمية يتم تقديم الأعمال إلى اللجان بدون أسماء أصحابها حتى يكون رأي الحكام عادلاً حيال العمل فلا تتدخل فيها العلاقات ولا الأهواء الشخصية ولا النزاعات، أو يتم التعامل مع العمل تعامل مشخصن عندما يعرف أن منتج العمل فلان العلماني أو الليبرالي أو المتشدد أو الشيعي أو السني.
ولو بحثنا في تاريخ الشخصنة نجد «حسب علمي» أن أول من مارس الشخصنة في التاريخ أبليس حين قال: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}. فحول الأمر إليه بالسجود لآدم إلى مسألة شخصية، ورفض تنفيذه. وكذلك فعل قابيل حين قتل هابيل، وقارون حين قال: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}، وفرعون حين قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي}، وقال لموسى: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}. وكأن العيب في دعوة موسى عليه السلام هي أن موسى كان ربيباً لدى فرعون، وليس أن ما جاء محل اعتراض. بمعنى أنه إذا ضعف الرأي والحجة برزت الشخصنة وهي ظاهرة متفشية تكاد تكون طبيعة أضرت بنا وبالمجتمعات والدول فكان الذي كان مما نحن عليه الآن.