د. محمد بن يحيى الفال
مدينة الموصل العربية ذات التاريخ المجيد الذي أبقاه حاضراً في مخيلتنا وحتى وقتنا الحالي أديبها وشاعرها الكبير الأصمعي بقصيدته الشهيرة «صوت صفير البلبل» التي ألقاها في بغداد بمجلس الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، هذه المدينة العريقة، وكما هو حال معظم العراق وجل مدنه السنية تنتظر مصيرها المفجع خلال الآونة المقبلة بعملية تحريرها من قبضة عصابة داعش الإرهابية، في عملية حق أريد بها باطل.
ولتفسير ذلك لا بد لنا من العودة بتسلل سيناريو أحداث سقوطها إلي الوراء ولطرح السؤال المهم، وهو كيف لجيش الدولة العراقية وبعدد لا يُستهان به من فرقه العسكرية يفر هارباً أمام بضعة مئات من عصابة داعش والتي يتكون معظم المنتسبين إليها من أفراد بلا خبرة عسكرية أو قتالية سابقة!؟ الإجابة على هذا التساؤل نراها واضحة للعيان من خلال ما سبقها من تصفية لمدن المثلث السني العراقية والقريبة من العاصمة بغداد والتي هي نفسها كانت جوهرة هذا المثلث والتي بدأ تفريغها من محتواها السني بجرائم الطائفي رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي. وتأكدت سياسة تفريغ السنة منها خلال عمليات نزوح السنة من الأنبار بسبب العمليات العسكرية هناك ولم يسمح لهم بدخولها حتى أنه، وفي سابقة تاريخية غير مسبوقة، كان يطلب ممن تقطعت بهم السبل من العائلات السنية الحصول على موافقة قريب من بغداد حتى يسمح لهم بالدخول إليها.
الحقائق تؤكد وتشير بأن المالكي بتوافق وبتعليمات من نظام دولة الملالي بطهران وبإشراف مباشر كان خفياً سابقاً وفي العلن حالياً من قبل قاسم سليماني وبفتوى من قبل السيستاني المرجع العراقي ذي الأصول الإيرانية، وذلك لتغير خارطة التركيبة السكانية الديموغرافية للعراق المحتل فعلياً من قبل دولة نظام الملالي وتفريغ مدنه الرئيسة من غالبيتها السنية وجعلهم إما قتلى أو مهجرين يتم إعادة توطينهم في بلادهم بصورة تجعلهم دوماً أقلية.
وتشمل خطة ملالي طهران المالكي الإجرامية لتغير خارطة التركيبة السكانية في العراق ثلاثة محاور رئيسة.
المحور الأول، تفريغ المدن في المثلث السني من سكانها وتهجيرهم قصرياً من خلال إرهابهم وبث الرعب فيهم من خلال ارتكاب جرائم في غاية البربرية والوحشية لم تسلم منها حتى بيوت الله، ورأينا ورأى العالم كله ذلك في مدن الفلوجة والرمادي وديالي وتكريت وتلعفر والصقلاوية وسامراء وهيت.
المحور الثاني، إعطاء الجرائم المرتكبة ضد السنة صبغة دينية لجعلها تبدو أمام الرأي العام العالمي بأنها تصفية صراعات دينية، وذلك لنربأ بالدولة العراقية من أي تبعات قانونية قد تطالها بسبب الجرائم المرتكبة وتم تنفيذ هذا المحور على مستويين، الأول ومن أجل شحن الشيعة مرجعياً وبأن ما يقومون به من قتال هو تقرب لله، فقد أصدر المرجع السيستاني فتوي لحشد كل قادر على حمل السلاح من الشيعة في التنظيم الإجرامي المسمي الحشد الشعبي الذي أسسه الطائفي المالكي بتوجيهات مباشرة من سليماني، المستوى الثاني استدعاء التاريخ أمام ناظري مجرمي منتسبى الحشد الشعبي، وكما أكد المالكي في حملته على الأنبار والتي وصفها بنفسه بأنها مقدسة وبأنها صراع بين أنصار الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه وبين أتباع يزيد.
المحور الثالث، وهو ما سوف نشاهده ويشاهده العالم من تنفيذ المرحلة الثانية لعملية الموصل وذلك مع بدء العمليات العسكرية لتفريغها وهي ثاني أكبر المدن العراقية بعد بغداد من سكانها السنة من عرب وأكراد، وليس ذلك فحسب بل بتنفيذ إبادة جماعية لسكانها من قبل مجرمي الحشد الشعبي الذين هددوا بذلك علناً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وشملت تهديداتهم مشاهد مقززة وحشية شملت التمثيل بالجثث وأكل الأكباد وطبخ الرؤوس، مشاهد مفزعة يدعي زورا وبهتانا مرتكبوها انتماءهم لدين الإسلام.
السيناريو المرتقب لمدينة الموصل المنكوبة هو أنه ومع بدء العمليات الحربية لتحريرها سيبدأ مجرمو عصابة داعش بالفرار منها لتركها وسكانها المغلوبين على أمرهم لمصيرهم المحتوم لعصابة الحشد الشعبي بغطاء من جيش الدولة العراقية، والتجارب السابقة الماثلة أمام أعيننا من سحق للمدن السنية سوف نرى قمة وحشية تنفيذها في معركة الموصل المرتقبة.
لقد حذرت دول الجوار والتي تسعي بكل أخوة واحترام ومن منطلق الحرص على وحدة الأراضي العراقية القيادة في العراق من ما ستؤول إليه الأمور في حال سماحها للحشد الطائفي الإرهابي المشاركة في عمليات عسكرية هي من خصائص سيادة الدولة العراقية فيما يخص سلامة أراضيها وكافة مواطنيها.
أثبتت الأحداث والتجارب في العراق أن الدول السنية وعلى رأسها المملكة لم تتردد ولو للحظة واحدة من تسمية التنظيمات الإرهابية باسمها بغض النظر عن المذهب الذي تعتنقه فرسالة المملكة كانت ومازالت و سوف تستمر على التأكيد بأن الإرهاب لا دين ولا مذهب له، رسالة لا لبس ولا مناورة سياسية فيها لعلل وعسى أن تعيها أذن واعية.