د. خيرية السقاف
لحظة أن نشرت الوسائل المصدرية خبر، وجدول مواعيد صرف المرتبات الجديدة بعد ربطها بالخامس من كل برج، بدأت الناس تعبر عن رأيها، فهو متغير جديد، وعلى جانب بعيد المسافة المعاكسة للجدول الذي فتحت أجيال عيونها عليه، وهو ضمن أبجديات عاداتها، ومكنون ذاكرتها، وتلقائية انتظارها، وتعودها على أن غرة المحرم هي بدء السنة، ونهاية الشهر من السنة الهجرية هو موعد راتبها الذي ارتبطت به جداول احتياجها من الشراء، والسداد، والإيفاء بمتطلبات اليومي، والمقسَّط، والمؤجل، الذي يحل..!
ولأن الانتقال إلى التاريخ الميلادي فيه غصة عميقة لارتباط الهجري بقيمة ذات ثقل، ومفهوم، ودلالة، واعتقاد، وتعوُّد، وتفرُّد، بل مزيَّة، وانتماء، وهوية..
جاء التحول مع حاجة الوضع الاقتصادي إلى ربط الرواتب بالأبراج..
لكن هذا التحول جاء بمفاجأته، على غير ما يتوقع، لكن الميزانية الأساس للاقتصاد الوطني تبدأ ببرج الميزان، لذا جُعل الموعد الجديد لصرف الرواتب في الخامس من بداية كل برج وفقًا لهذا.. ربما في هذا الأمر ما يتفق اضطرادًا مع خطط الخروج من ضائقة المرحلة الطارئة إن شاء الله.
لكن الناس لم تتعود إلقاء النظر على خانة الأبراج في التقويم الهجري البتة، إلا منهم المختصون في علومه، الذين يربطون الأنواء بها، ومواعيد المطر، والزراعة، وتقلب المناخ، وتبدل الطقس الجوي، أما عامة الناس فلم يثقفوا شيئًا ذا بال عنها إلا شغوف يتتبع موجة تمتد وتصخب، وتجزر وتغيب، أو سحابة مخاتلة، وبرق يلفت، وشجر يخضر أو يصفر، وثمر ينضج أو يعجف، كما الذي أفعل شغفًا بالأنواء..!!
في حين وجد الاقتصاديون حلاً مناسبًا للمرحلة، لمواجهة العديد مما نفقه، ومما لا نفقه عنه رأوا، وقرروا، ومن ثم أذن لهم فأعلنوا أن «العقرب» في اليوم الخامس منه سيصرف أول راتب للجميع، ومن ثم تتوالى المرتبات في الخامس من كل برج..!!
وللناس أن تأخذ بمحتوى ذاكرتها نحو «البرمجة» الجديدة، والتعود على الرقم الخامس من كل برج..! حتى إن اختفت بعض الشهور التي في الذاكرة عن مدار الأبراج في مواعيد الرواتب كرمضان مثلاً لهذا العام الهجري..!
وليكون الانتقال لهذا التوقيت مرنًا، فقد نشر جدول الرواتب بمواعيده البرجية مقابلاً بين اليوم في الشهر الهجري والشهر الميلادي للخامس من كل برج، بمحاذاة أرقام الشهور بالأبراج 1، 2، 3، الخ..
هذه الانتقالة ربما تسري على التقويم الهجري في بقية شؤون المعاملات، وهو بشكل آخر انتقال للتعامل مع التقويم الميلادي، وهي ثقافة تعامل جديدة تضاف إلى ثقافة الملابس، والأجهزة، ونمط الحياة، وطرق الاستهلاك، والأساليب الحياتية والسلوكية، إِذ نجدها قد طبقت منذ زمن في البنوك، والشركات، والمستشفيات، ولها مثالبها التي أضرت باللغة العربية التي ارتفعت لها أصوات بأن تسجل «فواتير» قوائم المشتريات في السوق بالعربية لا بأخرى، ونودي بالحرص على إطلاق أسماء عربية على المحلات، والمطاعم، ونحوه، وأقرت الصحة بأن تسجل أيضًا كشوف المستشفيات بها، وناشدت مؤسسة التعليم بضرورة تعزيز العربية في أجهزتها، كل هذا لا يتسق مع بعضه الآخر، تتداخل التواريخ واللغات في عقر الدار، وكأننا نتجه لجحر الضب..
لكن، أيتسع..؟!
لكننا نأمل ألا تمتد يد التغيير للتقويم الهجري، ولا لشهوره المتفق عليها، بمثل ما نأمل الحرص على لغتنا العربية..
بل يتقدم الأمل فينا ليرقى إلى أن يتحقق.