د.ثريا العريض
أسمع التعليقات عن إعلامنا الخارجي وأستثار! نتحدث عن هفوات وأخطاء من يمثلوننا, ونعلن بكل تفاخر أننا نكره سماع الطبول. ونرفض أو نتسامح مع النقد بل قد نستمتع بسماع سياط جلد الذات.
في خضم الجدل القائم حول معنى المواطنة وعلاقتها بحرية التعبير عن الرأي, وتضاد المواقف والآراء حول كل المستجدات, بدءا بتوصيف وتصنيف المجتمع ككل, إلى تصنيف وتوصيف فئات فيه سلبا وإيجابا, تقديرا وإقصاء. كل قرار يتخذ رسميا تتناوله شبكات الحوار وشبكات الرصد بين من يرونه أسود استمرارا لتاريخ حالك لم يعجبهم في أي وقت.. ومن يرونه أبيض يستدعي المزيد من التفاؤل.
أفكر في تأثير ذلك على سمعتنا كمجموع في الخارج. وأتساءل هل نعبر فقط عن مشاعرنا وطموحاتنا الفردية, أم المجموع الذي نسميه «وطن»؟ والوطن ليس فقط موقع أقدامنا على الأرض أو رأي فئة تشبهنا!
في أي إطار متكرر تستخدم صوتك؟ إطار الفضفضة وفشة الخلق؟ إطار النصيحة؟ إطار الوعظ؟ إطار التوعية لتوحيد الصف؟ سواء للبناء أو للهدم بمنطلق التفكيك وإعادة التوجه؟ أم إطار الاستغاثة لأي مار متصنت وراء نافذة البيت؟ وقد نكون صادقين في أي من هذه الأحوال!.
الأهم أن بعضنا يعتبر الحديث بصدق هو حق له, وينسى أنه حق للجميع. صحيح؛ والصدق أكثر مثالية من الكذب لأهداف دنيوية مادية؛ أو حتى أهم من الصمت الذي يعتبره البعض مخرجا منجيا من المساءلة. لكن ما ينساه الجميع أن الصدق في الوصف يأتي دائما متأثرا بلون العدسات التي نتأمل بها تجربتنا. وإن الحقيقة متعددة الوجوه؛ فحين هناك أفراد إمعة يعتمدون في تكوين آرائهم ومواقفهم على ما يمليه عليهم آخر متسيد لساحة المعرفة وتقرير الحقائق كما يفضلها لأهدافه الخاصة, هناك أيضا أفراد يفكرون ويمحصون ويستنتجون لأنفسهم .. وحين هناك أفراد مغالون وأفراد متسلطون, وأفراد مجرمون.. هناك أيضا أفراد وسطيون وأفراد متعاطفون وأفراد يحترمون القانون والنظام.
بعضنا لا يرى أبعد من أرنبة أنفه, والضغط الذي يعانيه من الأقربين. وبعضنا يرى دائما أن العشب أخضر في بساتين الآخرين. وبعضنا برمج نفسه للبحث عن النقاط السوداء في الثوب الأبيض. وبعضنا يتهم كل من يعلي الصوت شاكرا الله على نعمه, أو يقرر أن يبحث عن بقعة ضوء يتفاءل بها في الظلام ,بأنه مهلل ومطبل.. مصرا أن الصوت الذي يجب أن يسمع في الظلام هو الصوت الذي يعلن وجود الظلام.
الظلام وقت نعيب البوم, وبين الظلام والفجر يعلو صوت الديك الذي يصم بعضهم الآذان عنه. وعند الفجر تبدأ الطيور الجميلة بالشقشقة وهي تبحث عن رزقها. كلها طيور صادقة بإطار غريزتها واعتيادها.
أسأل نفسي لو كنت ناطقا رسميا أو غير رسمي أتحدث «عنا» لغيرنا فأي موقف آخذ؟ الموقف الأفضل من هذا التطرف أو ذاك أن نرى كل الأطياف بوضوح وأننا كغيرنا ليس بيننا فئة مثالية.
بطبيعتي أنفر من أصداء النعيب والنعيق وتأكيد العتمة؛ ولا أرتاح لسماعها. وبطبيعة عملي ألتقي بالكثير من الغرباء والسائلين عن «حقيقة» الأمور و»خصوصية» الأوضاع المحلية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهي مسؤولية جسيمة أن يرون فيّ مصدرا يوثّقون به آراءهم وما سيقولونه عنا ويصنفونا به. والأهم أنني أعرف أي مأساة هي أن تقول كلاما لأي وسيلة إعلام فتأخذ منه فقط ما تشاء لتؤكد تأطيرا مسبقا لنا كعرب أو مسلمين أو سعوديين في إطار منتقى.
اختياري أن أحافظ على المصداقية والتوازن وشمولية النظرة والحكم. متذكرة أن الغريب ليس مسؤولا عنا. وأن النصيحة للمسؤول وصانع القرار تصل بوضوح أكبر ليس عبر تشويش مكبرات الصوت الإعلامية؛ بل تأتي تواصلا صادقا كموقف حميمية استيضاح بين طرفين محبين للوطن.
لك مني يا وطني حديث محبة ونصيحة؛ وليس احتراف تهديد بفضيحة.