رجاء العتيبي
الفن حالة, وليس شيئا آخر, ونضيف أنه (حالة فرح)، ومن يحمّل الفن الرسائل الاجتماعية, فقد حمل الفن ما لا يحتمل ليس من صميم وظيفته, هذه نقطة خلاف لدى من يغيب عنه معنى الفن, وفلسفته ووظيفته وتاريخه, ولكنه اتفاق تام لمن درس الفنون أكاديميا وعرف ماذا يعني الفن في حقيقته.
أما الذين يقفون منه موقف الخصم، فيصفونه بأوصاف لا تمت له بصله، كأن يصفوه بالفسق والفجور، وهذا الوصف لا ينطبق على الفنون ولكن قد ينطبق على فئة حادت عن طريق الفن وسلكت مسلكاً تجارياً بحتاً، وهذا لا يمثِّل الفنون، أهل الفن يختلفون معها جملة وتفصيلا.
الفنون حالة تجلٍّ، فرح، جمال، حياة، بعيداً عن أي استجداء عاطفي رخيص، أو إثارة جوفاء، ولا يكون راقيا كما هي حقيقته إلا لدى المجتمعات الواعية التي لا تنظر إليه نظرة متطرفة إما إلغاؤه تماما من الحياة أو جعله منطقة للتفسخ والانحلال.
بدون الفنون : بصرية، جميلة، تطبيقية، أدائية، لا يمكن أن تفرح من الأعماق، شاهد تفاصيل حياتك، كلها معتمدة على الفن الذي يجعل من حياتك معنى تفرح بسببه، أليس في المجلس لمسات جمالية؟ أليس في مأكلك ومشربك لمسات جمالية؟، أليس في مكتبك لمسات جمالية؟، أليس في كلامك لمسات جمالية؟ أليس في مشترواتك لمسات جمالية؟، أليس في غرفة نومك لمسات جمالية؟، أليس في حديقتك لمسات جمالية؟ أليس في احتفالاتك لمسات جمالية؟ أليس في سفرة الطعام لمسات جمالية؟، وأخيرا أليس في خلق الله لمسات جمالية؟ بل كل الجمال.
الذي يخاصم الفنون كمن يخاصم الأكسجين، لا يمكن أن تعيش بدون الاكسجين كما أنك لا يمكن أن تعيش بدون الفنون التي يعرفها البشر وليس التي (شوهتها) العين الأيدلوجية، الفن يتلبس حياتنا من رأسها حتى أخمص قدميها، كل ما علينا أن نفرق بين الفن، وبين المنتج الفارغ الذي أنتجه أدعياء الفن.
هل سألت نفسك يوما، ما الذي دعاك أن تخرج من قاعة عرض مسرحي جميل، بمزاج رايق غير المزاج الذي دخلت به، مزاج مليء بالفرح الداخلي يعطيك شعور بمعنى الحياة وهالة جمال تحيط بك، وأنت تسير في طرقات الحياة.
بمقدار ما يعطيك العرض الفني من الفرح، بقدر ما يقترب من حقيقة الفن، وبمقدر ما تشعر حياله بالامتعاض، بقدر مايكون أبعد عن الفن، هذا - تقريبا - أهم معيار تقيس به الفنون، إذا ما عرفنا أن الفن (حالة فرح) تشع من داخلك فتضيء الوجود، وتشعر حينها بأنك إنسان.
لا تنكر الفن وأنت تعيشه في كل تفاصيل حياتك، قد يغيب عنك ذلك لأن الذي صب معناه السلبي في أذنك أناس لا يعرفون الفن وإنما يعرفون شيئا آخر لا يمت له بصلة، أو أن وعيك الفني لم يرتقِ بعد إلى مرحلة يمكن أن يستوعب ما هية الفنون وأنها ضرورة حياتية، وليس ترفا.