ناصر الصِرامي
لا يستطيع راصد لتاريخ الإعلام العربي أو مراقب له ولعقود طويلة مرت، إلا الإشارة للإعلام السعودي، والذى تجاوز بمهارة ومهنية وبعد نظر الإعلام العربي الذي كان سباقا وسيطر لفترات تاريخية سابقة، مثل الإعلام المصرى وهذا شكل ريادة ومدرسة مبكرة، ثم العراق وكذلك الإعلام اللبناني في بلده أو المهجر.. تذكر أن أول إذاعة في الوطن العربي هي محطة القاهرة 1934، «هنا القاهرة.. ثم لحقتها العراق بمحطة ثانية بعدها بعامين تحديدا... والتلفزيون العراقي الذي انطلق في العام 1956، كان أول محطة تلفزيونية عربية ببث منظم، بعده بـ10 سنوات تقريبا 1965، خرجت أول إشارة بث من محطتي الرياض وجدة وكان الإرسال على قناة واحدة، هي قناة المملكة العربية السعودية.
أخذ الإعلام السعودي بعد أقل من 3 عقود من ذلك التاريخ الريادة لمؤسسات النشر العربية في لندن، بأول جريدة متعددة الطباعة دوليا للعرب في دولهم والمهجر. وثم أصبح صاحب السبق في البث الفضائي، وبعد إطلاق محطة تلفزيون الشرق الاوسط من لندن للعرب، بدأ هناك مسيرة للفضاء الإعلامي، للتتبعها شركات سعودية أخرى من الترفيه للسياسة والرياضة لعشرات القنوات (اى ار تي، اوربت، روتانا.. الخ).
اليوم يحقق الحضور الشعبي -غير المنظم - على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائط الإعلام الجديد.. حضورا لافتا.. لكنه فردي في المجمل!
وكما أخذ الإعلام السعودي الصدارة عبر المؤسسات الصحفية في الداخل والخارج، وأصبح منبرالإعلام الفضائي، رغم تنوع وتعدد المنافسة، من المهم الآن ونحن نسير في إعلام متعدد بوسائطه وتقنياته وتطبيقاته وأساليب نشره وبثه، وفِي ظل تضعضع مؤسسات الإعلام التقليدية، وتراجع تأثير الفضائيات أوجودتها، من المهم- أن نفكر جديا وندرك-أيضا- ان تلك الريادة لم تعد مضمونة بالكامل، بل تواجه مخاطر حقيقية، في ظل كل المعطيات من حولنا.. بل ومعطيات صناعة الإعلام وتحديثتها..!
في زمن الإعلام الجديد، والمواطن الصحفي، تبدأ مراكز القوى الإعلامية، بين المؤسسات الإعلامية كما نعرفها في التبدل.. إنها أشبه بلعبة الكراسي التى تدور حول المستقبل وأدواته وتقنيات المرحلة، بل إن هذا التبدل سيصل لا محالة للتأثير على الخارطة، وعلى النفوذ الإعلامي للدول ذاتها..!
الإعلام شبه الحكومي يفقد قوته وتأثيره، هذه الحقيقة المتفق عليها، تتطلب ان تتبعه استراتيجيات أكثر نضجا وعملية لتحويل المؤسسات الصحفية وشركاتها الإعلامية الى شركات تدار وفق مقومات السوق وأدواته، لأنه إذا نجحت تجاريا، فهذا يعني بالضرورة النجاح المهني للوصول الى جمهور واسع..وهو ما يقرره التاجر -الذى لايمكن خداعه كل الوقت.. أقصد المعلن والإعلان الذى لا يجامل، وهو-أى الإعلان- يعد المقياس الدقيق للتفوق او التراجع..!
لذا حين نؤكد أن المؤسسات الإعلامية والصحفية التى يواجه بعضها تقلصا في عائداتها..فيما البقية الباقية منها موعود بخسائر جديدة او إضافية، او مهددة بالتلاشى، فإن الحديث هو هنا عن حالة ضعف عام.وغياب رؤية واضحة لحجم تحولات هذه الصناعة..وتحديد مصير مستقبلنا فيها!
الامر الذي يتطلب، بل يحتاج الى رؤية إعلامية أحدث تستجيب للمتطلبات المهنية والتجارية.. واختبار سلسلة من الحلول المبتكرة، بما فيها اندماج المؤسسات الصحفية، ونقلها لمرحلة الشركات المساهمة والتوجه نحو استثمارات أحدث، وخلق رؤية جديدة وتنافسية للمؤسسات الإعلامية السعودية، قبل أن تنفق ويذهب النفوذ الإعلامي.. !
تحديات شاملة، تتطلب بالتأكيد رؤية أوضح وأحدث وأكثر عملية واستيعابا لكل التحولات والتغيرات على المستويات المهنية والادارية في كامل المنظومة الإعلامية، بل وفِي قمة هرمها وأدائها، وحتى تستجيب لمستوى المرحلة، بما تحمله من تحديات تقنية وفنية، بل وتحولات ثقافية وسياسية واقتصادية داخلية..و إقليمية ودولية..!