أحمد المغلوث
كان الجد يجلس مسترخيًا في صالة البيت وهو «مهدود الحيل»؛ فما زالت آثار الإنفلونزا واضحة عليه. صوته الواهن غيّر كثيرًا من صفاته السعال والحمى.. حتى أن وزنه نقص خلال الأيام الخمسة الماضية نتيجة لفقده الشهية للأكل. وكل ما تناوله من طعام خلال مرضه محصور في منتجات الألبان فقط. كانت ليلة لطيفة، حتى أنه أمر بعدم فتح جهاز التكييف خوفًا من أن يتأثر بالبرودة؛ وتحدث له انتكاسة؛ فتعاوده الحمى من جديد؛ فمقاومته هذه الأيام ضعيفة جدًّا، وخصوصًا خلال «النقاهة». كان مجلسه بجوار ركن الهاتف الثابت عندما رن جرسه. وبيده الواهنة رفع السماعة، وقال «الو» مصحوبة بكحة خفيفة، ونحنحة ذات صوت أجش. جاء صوت حفيدة من بعيد «ألو. السلام عليكم. مين؟». فرد الجد «أنت مين؟». فقال الحفيد «إلا أنت مين ومن جابك هنا ترد في تلفون بيت جدي؟». فراح الجد يكتم ضحكته الضعيفة، ومع هذا هزت جسده التعب، وقال «يا ولدي أنا صديق جدك، وجاي أسلم عليه وأتشافى له. فيها مشكلة لما أرد على التلفون؟». فقال الحفيد «بس اللي أعرفه أن هذا التلفون موجود في صالة الدور الثاني ما هو في المجلس. طيب من سمح لك تطلع فوق؟». وراح يردد الحفيد الصغير كلمات خافتة وعير مفهومة، ثم عاد صوته يقول «يا شيخ لو سمحت عطني جدي بلا لقافة. ضروري أبغى أكلم جدي.. ضروري. ما تفهم يا شيخ؟». فضحك الجد من أعماقه، ورد «معك حق. لكن جدك يبدو أنه راح يأخذ (دش)، وربما يتأخر بعض الوقت. عليه ممكن أنا أساعدك إذا حبيت. اعتبرني مثله. أصلا أنا صديقه الروح بالروح..! وتأكد أني أقدر أن أساعدك. أو على الأقل أفيدك في شيء». كان صوت الجد يقول ذلك ومعالم صوته غير واضحة مصحوبة بسعلة مرة، ونحنحة مرة أخرى. وكان لحظتها سعيدًا باتصال حفيده؛ فهو يجلس وحيدًا في انتظار مباراة المنتخب، وليس لديه ما يشغله إلا معركته مع بقايا الإنفلونزا، وعلى الأقل ليسلي نفسه مع حفيدة عاشق الكرة أو (ميسي الأحساء) كما يحب أن ينعته كلما شاهده يلعب ويتلاعب بالكرة داخل ساحة البيت، أو حتى في الصالة الداخلية.. وكم حطم مع أبناء
أخواله (فزات ثمينة) نتيجة هدف طائش، سببتها قدمه الكروية. فموعد المباراة بعد نصف ساعة من الآن؟! شعر الحفيد براحة كبيرة لصديق جده، لكنه لم يستطع كبح جماح شكه، لكنه بشوق في الوقت ذاته لمعرفة توقع جده عن مباراة (المنتخب والإمارات)، فقال بعد تردد «إلا، على فكرة يا شيخ، تقدر تقول توقعك عن المباراة الليلة كم؟». وأضاف «أنا دائمًا أسأل جدي، وتقريبًا توقعاته قريبة من النتيجة. تقدر تقول كم تتوقع أنت؟». ابتسم الجد سعيدًا بثقة حفيده به، ومضى يقول «أتوقع يا ولدي يا اثنين يا ثلاثة للمنتخب». فرد الحفيد «مشكور يا شيخ. ما قصرت. وسلم لي على جدي، وقله الله يشفيه!».
تغريدة: في هذا العصر بات الهاتف الذكي أشبه بحديقة مفتوحة الأبواب على عالم واسع، لكنها داخل جيوبنا وبين أناملنا. شكرًا لله الذي سخّر لنا هذا.. سبحانه جل شأنه؟!