رمضان جريدي العنزي
الأشخاص الهائمون بـ«الهياط» هلاميون يحاولون صنع أجنحة كرتونية لهم، وأيقونة لأنفسهم واهنة، يحلمون بمجد وتاريخ ورواية ونص شعري مزيف، ودائماً ما يتحركون من واقعهم الحياتي الحقيقي، إلى واقعهم الافتراضي المزور، يتسمون بشخصيات لها غرابة واعتلال نفسي، لا يعرفون الحدود الفاصلة بين الحقيقة والخيال، إلا بما يتصل بوجود خيالاتهم المستعرة نحو حدود حلمهم الباهت واللامنتهٍ، يمتلكون قدرات هائلة على التمسك بقشور الحياة، مسافاتهم قريبة من بعضها البعض، وجهدهم سلبي، وحدودهم الفكرية محدودة، سيرتهم سفر من الدهشة والجنون، وثقافتهم غير بليغة، شخصياتهم مركبة من عنصرين أساسيين هما، حب الـ(أنا) ومحاولة السيطرة، وهذان العنصران لا تتصف بهما الشخصيات السوية، ولكنهما يتشكلان في الشخصيات المارقة عن الواقع، يحبون العطر لكنهم لا يعرفون انتقائه، لهم نزوع مخيف نحو التزييف والتزوير وتأليف الرويات الكاذبة، منطقهم غير سليم، ولا يعرفون أبجديات الحكمة، الأرض صارت مثقلة بهم، يحاولون التمرد والنزوع والانفلات، ولهم تجليات مفتوحة، وثراء في التعبيرات المجازية، ومضامين الاستعارات، يجيدون ضرب الدفوف، وعزف المزامير، ويهوون جيداً التصفيقات الحادة، تعبيراتهم مثيرة، ومتونهم النصية قاصرة، في أقوالهم سينمائية لا تقترب من الواقع ولا من اليقين، وكل تصوراتهم أبعادها غير دلالية ولا قطعية، أعمالهم عبثية معنية، ليست عفوية ولا فطرية، بل هو استلهام حسي وتهكم ومشاكسة، عنصر اللهجة لديهم نسغاً لغوياً يبعد كثيراً عن جماليات اللغة والكلام، لديهم إيقاع غير مألوف في الإطار العام للحديث، ما عندهم عناوين ثابتة، وسردهم مختلف، من وظائفهم الرئيسية اختلاق الأشياء والروايات والقصص ورسم البطولات المزيفة، أهدافهم شخصية خارج مقومات الضمير، وتصديق العقل، هم يعيشون بمستويين، مستوى ظاهري يشير إلى ملامح جمال طفيف، ومستوى باطني يشير إلى مستوى قبح عالي، مصابون بوهم الانتفاخ، حالاتهم غير ناضجة، وخطواتهم بها عوج، وبناؤهم غير مرصوص ولا متوحد، يعتمدون على الاستعارات والانزياحات التي لا تنتمي إلى روح الواقع ولا إلى صلبه، وانتقاءاتهم لا تتلاءم مع سياق الحياة، وروح الإبداع ومتطلبات المرحلة، يحاولون أظهار الذات بطرق مخاتلة، لكنهم يزجون بأنفسهم في اتجاهات ضيقة ومختلفة، يحاولون أن يكونوا نسيج متداخل، لكن أرواحهم المنكسرة تعكس عمق الكسر الذي بهم، ممزوجزن بأسىقصور ورغبة ملحة في تنشيط الوهن الذي يصيبهم، مخيلتهم غير خصبة، وفي أعماقهم دهاليز مظلمة، أمنياتهم ناشطة في الأحلام، لكنهم لا يجيدون سوى الخلود للرمل والطين، ينحون منحاً فلسفياً، نحو حقيقة غائبة، يحاولون أن يفتحوا أبواباً، ويصافحون القادمون، لكنهم ما دروا بأن الريح تذري الرمال، لأنهم لم يقدموا للناس نفعاً غير أقداح الشاي وعبارات الوداع، أن على هؤلاء الذين يعشقون «الهياط» ويتناخون به، يتدثرون به ويتوشحون، أن يتحولوا إلى مجاميع فاعلة ونشيطة ومعطاءة، ليمدوا الحياة بالكثير من سمات التطور والتجديد، وليعلموا بأننا نعيش في زمن يتمدد بسرعة هائلة ويتدرج ويتصاعد بشكل مخيف ومختلف، أن على هؤلاء أن يتحولوا من شأنهم الحالي إلى شأن أكثر ابهاراً وايغالاً في شؤون الحياة، عليهم أن يكونوا لوحات متلألئة برهافة، وباذخة في مناغات العمل المضيء والجد والاجتهاد، عليهم أن يكونوا حس المصور، وحوار الريشة واللون والضوء، عليهم أن يجنحوا إلى حقيقة الواقع الذي يتطلب منظومة العمل والإنتاج بعيداً عن التمدد في الأسرة الباذخة بالترف، والتقوقع في صندوق الماضوية البالية، عليهم أن يعرفوا بأن «الهياط» لم يعد عملاً مجدياً ولا نافعاً ولا ترياقاً لذيذاً، أن الوعي والفهم والذكاء عند الناس ارتقى للحدود العالية، لهذا لم يعد يعنيهم «المهايطون»، بقدر ما يعنيهم الأشخاص القادرون على تغيير الواقع نحو الأفضل والأحسن والأجمل والأصفى والأنبل والأسمى، بعيداً عن شحذ الألسنة والنفوس والخيالات والجنون وتزييف الواقع وتزوير المستحيل، أن الواقع اليومي يعج بالمتناقضات والصراعات والابتلاءات والتحديات التي تتطلب الأعمال المثالية الحقيقية، وعليه فإن «الهياط» لم يعد يصلح لهذا الزمان الجديد، وعلى «المهايطين» أن يحملوا حقائبهم ويرحلوا من غير رجعة.