لبنى الخميس
هي حلبة مصارعة لكن من نوع آخر.. ملاكموها رؤساء محتملون.. حلبتها خشبة مسرح.. ضرباتها القاضية ردود مفحمة.. وجمهورها قد يتجاوز 100 مليون مشاهد!
تعود قوة المناظرات الرئاسية الأمريكية إلى الواجهة مع اقتراب انتخاب رئيس جديد لبلاد العم سام، ويعود الحديث معها عن مدى تأثيرها على آراء الشعب وتحديدها للخريطة النهائية لمسار صوته. الأسبوع الماضي كان موعد المناظرة الثانية بين هيلاري وترامب.. التي جاءت وسط ترقب كبير لأداء المرشحين.. فحسب تقديرات الأغلبية هيلاري فازت بالمناظرة الأولى لكن أداؤها تراجع في المناظرة الثانية.
فما هو تاريخ المناظرات الرئاسية في أمريكا.. وهل للغة الجسد دور في تحديد الفائز فيها؟
يعود تاريخ أول مناظرة تلفزيونية لعام 1960 تحديدًا بين الرئيس جي إف كينيدي ومنافسه ريتشارد نيسكون وقد حصدت وقتها أكثر من 70 مليون مشاهدة، في وقت لم يكن جهاز التلفزيون حاضرًا بنفس القوة. في هذه المناظرة كان المرشح الشاب جون كينيدي أكثر اختصارًا تركيزًا وحيوية.. في حين كان نيكسون قلقًا ويتصبب عرقًا. المفارقة كانت بأن من تابع مجريات المناظرة عبر الأثير اعتقد بأن نكيسون فاز بها، في حين أن من شاهدها على شاشة التلفاز ظن بأن كينيدي كسب ما يظهر قوة لغة الجسد.
ومن المواقف الطريفة التي تعكس أهمية الحضور الذهني وسرعة البديهة، هي ما جرى في المناظرة بين رونالد ريغان ومنافسه موندال عام 1984 حين كان يبلغ ريغان من العمر 73 عامًا وكان حينها أكبر رئيس للولايات المتحدة سنًا. وعندما سُئل عن قدرته على تولي مهام ولاية ثانية وهو بهذا العمر.. استنجد الممثل السابق بالهزل بطريقة محنكة وقال: «لن أجعل مسألة السن أحد موضوعات هذه الحملة، لن استغل لأسباب سياسية صغر سن وقلة تجربة خصمي» فضجت القاعة بالضحك والتصفيق.
وللغة الجسد وما تتضمنه من حركات مباغتة وغير متوقعة تأثير على المتنافسين والجمهور، هذا ما كشفته المناظرة الرئاسية بين جورج بوش وخصمه آل غور عام 2000 فأثناء المناظرة قام المرشح الديموقراطي بالقيام من كرسيه في محاولة منه لإرباك بوش أثناء إجابته عن تفعيل أحد القوانين، فما كان من بوش إلا أن يهز رأسه في رسالة مفادها «ارجع مكانك» وسط تصفيق حاد للجمهور ما يظهر أهمية لغة الجسد في إظهار الثقة والقبول الجماهيري.
وفي العودة للحديث عن مناظرة ترامب وهيلاري.. حسب تحليل النقاد كلاهما استخدم لغة جسد جيدة لكن هيلاري تفوقت على ترامب في هدوئها وتركيزها على استخدام لغة النقاط، كما تعاملت مع اتهامات ترامب بابتسامة هادئة ومراوغة يدعونها «الابتسامة الصفراء» في حين لم يتمالك ترامب نفسه في إظهار تعابير وجه مستاءة وغاضبة والنتيجة كانت فوز هيلاري بالمناظرة بحسب تصويت الجمهور، وهذا طبعًا يعود لخبرة هيلاري السياسية وحنكتها الدبلوماسية التي تعود لكونها تعلّت سلم الدبلوماسية الأمريكية كوزيرة خارجية إضافة لأنها كانت عضوة في الكونغرس وسيدة أولى لـ 8 سنوات.
الكثير من وسائل الإعلام باتت تتعامل مع المناظرات الرئاسية الأمريكية كمادة ترفيهية دسمة ومنتظرة، تحظى بأرقام مشاهدات فلكية تشبه تلك التي تحظى بها المباريات النهائية لكرة السلة وكرة القدم الأمريكية، غير آبه برداءة المحتوى، وتدني مستوى الحوار وما يحويه من اتهامات خطيرة وصور مضللة على حساب سمعة ومكانة أكبر وأقوى أمة في العالم.