«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
في الماضي البعيد كان الفطر أحد المأكولات المفضلة والمحببة لدى الملوك والأثرياء والميسورين.. كان بحكم سعره المرتفع حكرًا على الطبقة التي تملك المال.. أما في القرن الـ21 فبات في متناول الجميع بعدما انتشرت عمليات استزراعه في العديد من دول العالم بعدما تضاعف الطلب عليه بصورة لافتة خلال العقود الماضية، وباتت الأطباق المعدة من الفطر «المشروم» من الأطباق المفضلة، وعادة ما تكون في قائمة لائحة الطعام. وفي الماضي - وكما شاهدنا في بعض الأفلام التاريخية - كان يهوى البعض من عِلية القوم البحث عن الفطر البري، رغم أنه يُعتبر هواية خطيرة، ومع هذا يمارسها عشاقه ومتذوقوه الكُثر. ومثلما اعتاد أبناء المملكة والخليج وبعض الدول العربية (ليبيا والجزائر والمغرب) البحث عن فطر «الفقع» يركض أبناء أوروبا وأمريكا للبحث عن الفطر، وتوجد له جمعيات مختلفة في بعض مدن فرنسا وإيطاليا وألمانيا وحتى أمريكا. وعائلة الفطر عائلة كبيرة وواسعة، صعب حصرها إلا لمن تخصص في مجال العلوم الزراعية، وبالتحديد ما يتعلق بعلوم ثمرة الأباطرة والملوك «الفطر»؛ فهي أسرة واسعة، شجرتها تضرب كجذور الفطر نفسه في الأعماق. والمشكلة أن هناك صعوبة كبيرة في التمييز بين أنواعه وأصنافه وحتى السام منه بل القاتل؛ لذلك لا يعي ولا يفهم النوعية الممتازة والبعيدة عن السمية إلا الخبراء أو أصحاب الخبرة في المطاعم الشهيرة في إيطاليا وفرنسا. ومن خلال ترددي على باريس أكثر من مرة اكتشفت أن المطاعم الباريسية تعرض خارج مطاعمها آخر الأنواع الطازجة، التي تردها يوميًّا، فتعرضها مباشرة أمام رواد المطعم؛ ليختار الزبون منها ما يريد أن يكون ضمن طبقه اليومي، الذي عادة يحتار كيف يختار؛ فهنا مئات الأطباق اللذيذة التي تعتمد على «الفطر». وهنا لا تسأل عن الأسعار إذا كنت تريد أن تتناول طعامًا ملكيًّا بكل ما تحمله الكلمة من معنى؟! والجميل في الفطر أنه غذاء يستحق ما يُدفع فيه من مبلغ؛ إذ إنه طعام لذيذ وشهي، وهو يكاد يخلو من الدهن والسكر والصوديوم، ومع ذلك فهو يوفر الكربوهيدرات الصحية والألياف. ويحتوي الفطر على الكالسيوم والحديد والبوتاسيوم والفسفور والمغنسيوم ومواد أخرى كثيرة صعب سردها هنا في هذه المساحة، وهي توليفه لا أروع لصحة الإنسان، وعلى الأخص كبار السن.
وخلال السنوات الأخيرة، ومع انتشار المجمعات والأسواق الكبرى في مختلف مدننا، تجد داخل هذه الأسواق في أقسام الخضار والفاكهة أنواعًا مختلفة من الفطر المستورد، إضافة إلى أنواع أخرى معلبة أو مثلجة، بمعنى أن الفطر بات في متناول الجميع.
ومن الأشياء الطريفة التي تُذكر عن الفطر أن الفراعنة كانوا يحتكرون أكله لأنفسهم، كذلك فعل الصينيون واليابانيون. لكن سبحان الله، بات كل شيء في هذه الحياة متاحًا للجميع؛ فالتطور في مختلف المجالات زراعيًّا وصناعيًّا وتجاريًّا جعل أشياء كثيرة يتشارك الجميع في امتلاكها، أو حتى أكلها، كما هو الحال مع ثمرة الأباطرة «الفطر»، الذي بات منتشرًا في كل مكان.