د.ثريا العريض
اليوم في تويتر وجدت المغردين يتلقفون تسجيلاً لتفاصيل دموية، تمثيل بجسد ضحية في بلد مبتلى بحرب أهلية موجعة.. ويعيدون إرساله وبثه، وكأنهم وجدوا ما يثير المتعة وليس صدمة مشاهدة التوحش والتقزز والألم. وليس هذا الخبر حالة استثنائية لما ينشر من أخبار سلبية مفزعة إلا في التمادي بوصف التوحش بصورة مرعبة، وإثارة الكراهية.
ما الذي يحدث؟
لماذا يتسابق المتواصلون إلى نشر ما يفرق ويصعد الانقسام؟
أكتب يوم الجمعة..
ولنا كل جمعة أحزان خاصة، تتكرر بطعم مرارة استثنائي.
تمنيت أن أسمع في خطبة الجمعة دعوة للتعايش وردم مجاري التصايح للانقسام والخلاف، والنهي عن الكراهية ولعن الآخرين.
تمنيت ألا أسمع دعاء بالويل والثبور واستنفار الله لإهلاك الآخرين.. بل دعاء بالهداية وتهدئة النفوس.
شبكات التواصل الاجتماعي ساعدت في التواصل المباشر بين المتابعين، سواء باختيارهم أو بدون.. وكشفت عن جانب مظلم للغالبية. قلة من يبحثون عن الجمال والمثالية، ويشاركون الآخرين في أخبار مضيئة، تزرع الفرح والثقة والتفاؤل.
وحدث ولا حرج عن الغيبة والنميمة وتمزيق سمعة أفراد بعينهم، تستهدفهم مجموعة أو مجموعات بمعاداتها, ووراء ذلك عداء شخصي أو حسد على تحقيق منجز أو نجاح مهني.
صحيح أنه تصلنا الكثير من الأدعية المتناقلة متكررة في أجهزتنا عشرات المرات.. ولكنها مثل الحلي البراقة من تصميم فرد آخر، يلبسها للجميع إما لإظهار حسن الذوق الاجتماعي, أو معرفة بمؤشرات التصرف المتفق على تميزه, أو ملء فراغ المساحة المثبتة للقيام بواجبات التواصل. وتصلنا قصص وروايات معنعنة عن مثاليات الرحمة والطيبة والتراحم والتكافل وإيثار الآخر.. وأجزم أن من يمارسونها مثل طائر العنقاء، تسمع به، ولا تراه.
وبين تويتر وانستجرام والفيس بووك والواتس آب وأخواتها نغرق في مئات إن لم يكن آلاف الأخبار المزعجة عن جرائم التدعشن والتحزب والتعنصر والكراهية، تستقطب وتمزق الأواصر، وتمحو التقارب.
أستغرب أن تنتشر الأخبار المزعجة والمسيئة وبصيغ المبالغة وبهارات التضخيم للجانب الموحش فيها، وكأن المتنافسين في سرعة إعادة إرسالها يتلذذون بنشرها؛ ليشم عفنها الجميع.
قلة من يقرؤونها وتنقلب حالتهم النفسية إلى الانزعاج، وقلة من يدققون قبل إعادة إرسالها في كونها صحيحة أم ملفقة.. والتلفيقات جريمة أخرى، مثلها مثل تهريب المخدرات، للقضاء على سلامة المجتمع.
تمنيتُ أن أقرأ في الأخبار والأوامر الملكية صدور قرار بتجريم أفعال وأقوال الكراهية التي تستثير وتؤجج الحزازات والنعرات؛ ما يهدد الوحدة الوطنية واللحمة الإنسانية, إن لم يكن يهدم التعايش المطلوب للبقاء المطمئن عبر الاختلافات الفئوية والانتماءات متناقضة التفاصيل.
لسنا في حاجة للمزيد من التشجيع على التوحش ضد بعضنا البعض.
أرجوكم لا تساهموا في نشر الأمراض النفسية في المجتمع. ما تنشرونه يجعل المرفوض معتادًا وقابلاً للتقليد.
أوقفوا تداول التفاصيل الدموية وكأنها المتوقع الطبيعي.