«الجزيرة» - بندر الأيداء:
أكدت سمو الأميرة البندري بنت عبد الرحمن الفيصل، المديرة العامة لمؤسسة الملك خالد الخيرية، أن القطاع غير الربحي في المملكة خطا خطوات كبيرة خلال العقود الماضية، موضحة أن هذا القطاع يعول عليه الكثير من أجل المساهمة في تحقيق رؤية المملكة 2030م.
حول أهمية ابتكار حلول ناجعة وفاعلة لقضايا هذا القطاع المهم والحيوي من أجل المساهمة في خطط التنمية أوضحت سمو الأميرة البندري أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المملكة تستلزم من جميع العاملين في القطاع الثالث وضع خطة استراتيجية محددة الزمن، تُرتَّب فيها الأولويات؛ لتتواءم مع هذه المتغيرات.
وطرحت المديرة العامة لمؤسسة الملك خالد الخيرية في حوارها مع «الجزيرة» نماذج عديدة لما قامت به المؤسسة في دعم القطاع غير الربحي، بما يتوافق مع خطط المملكة ورؤيتها المستقبلية الطموحة. وإلى نص الحوار.
* سمو الأميرة البندري، كيف يمكن وصف الواقع الحالي الذي يعيشه القطاع غير الربحي في المملكة؟
القطاع غير الربحي في المملكة على الرغم من الخطوات التي خطاها خلال العقود السابقة إلا أنه تنقصه في الوقت الحالي العديد من الجوانب الضرورية والمهمة في آن واحد؛ إذ تمارس منظمات القطاع أنشطتها تحت قيود، إضافة إلى وجود ضبابية في اللوائح القانونية والتشريعية المنظمة لعمل القطاع، وهي الجوانب التي أعطتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية الأولوية ضمن خططها في برنامج التحول الوطني؛ من أجل خلق البيئة الملائمة لهذا القطاع المهم، وجعل منظماته تساهم بشكل فعّال في تحقيق الأهداف المرجوة.
* ما الذي يعانيه القطاع بالتحديد لنتمكن من معرفة احتياجاته بدقة؟
في الحقيقة، القطاع غير الربحي، ومن خلال التجارب السابقة للمؤسسة، اتضح أنه يعاني نقص الاحترافية، وغياب الموارد البشرية المهنية، وضعف البنية التحتية، وغياب الشراكات الفاعلة لمنظماته، ووجود عشوائية واجتهادات في عملية جمع التبرعات وتسويق الخدمات التي تقدمها هذه المنظمات. ولن يتلاشى هذا الضعف ما لم يتم وضع آلية واضحة ومنهجية مثالية لاستثمار الأموال المتدفقة على المنظمة لضمان استدامة أنشطتها على المدى البعيد.
أضف إلى ذلك حاجة القطاع الماسة إلى فكر واعٍ بأهمية ابتكار المشاريع وإدارتها ومتابعتها بشكل احترافي بالكامل، مع التركيز على التدريب المستمر للعاملين في القطاع لتمكينهم من المساهمة الفعّالة في نهضة المجتمع. كذلك القطاع بحاجة إلى أن يكون جاذبًا للشباب والشابات للعمل فيه، وذلك من خلال شعورهم بأن هذا القطاع يوفر لهم الاستقرار والمسار الوظيفي الموجود في القطاعات الأخرى مثل القطاع الخاص والقطاع الحكومي.
* وما الحل الأمثل بنظرك للتغلب على هذا القصور؟
بظني، إن تمكين القطاع من خلال تشكيل بيئة تشريعية محفزة ومشجعة سيحجم هذا القصور نسبيًّا. وبدأنا نرى خطوات نحو حوكمة المؤسسات والجمعيات الخيرية، ونلحظ اتجاه الكثير من المنظمات غير الربحية الناشطة في المملكة نحو إعداد خطط استراتيجية لها، والعمل على أساسها؛ إذ ستمكن هذه الخطوات والأدوات - متى ما توافرت - من تحقيق جودة داخلية لهذه المنظمات، إضافة إلى جودة في نوعية المخرجات، وهذا بالتأكيد يؤدي إلى ابتكار حلول تتواءم مع العصر الحالي ومتغيراته، خاصة التقنية. ولكن أهم متطلب حاليًا هو وضع خطة استراتيجية شاملة وتشريعات مناسبة للقطاع، تتواءم مع رؤية المملكة 2030 حتى تمارس منظماته أدوارها بالشكل المأمول.
* البعض يتساءل كيف ستكون مساهمات وأدوار القطاع غير الربحي في تحقيق رؤية 2030م؟
وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة التي تقول إن القطاع غير الربحي في المملكة يساهم في الناتج المحلي حاليًا بما يعادل (0.3 %)، فهي بكل تأكيد تُعد مساهمة ضعيفة جدًّا، أو بالأحرى «متواضعة» مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يصل إلى 6 %؛ فالفارق كبير وشاسع بين الرقمين؛ وهذا ما يتطلب من العاملين كافة في القطاع مضاعفة الجهود. ودورنا نحن العاملين في القطاع غير الربحي السعودي، وحسب الرؤية الطموحة، هو رفع مساهمتنا في الناتج المحلي من أقل من (1 %) إلى 5 في المئة، ولن يكون هذا إلا عبر تمكين الجمعيات القائمة، وزيادة عددها وجودتها وتخصصاتها بشكل كبير، وكذلك دعم المشروعات ذات الأثر الاجتماعي التي يطرحها شباب وشابات ريادة الأعمال الاجتماعية بمختلف مناطق المملكة. كما يؤمل على الجهات التعليمية وغير الربحية كافة العمل من الآن على تعزيز ثقافة العمل الاجتماعي والتطوع، ونشرها بين أوساط الشباب؛ لأن هذه المساهمات ستساهم في توليد الوظائف، والرفع من مستوى الخدمات التي تقدم للمستفيدين؛ وبالتالي يصبح للقطاع غير الربحي مساهمة فعلية حقيقية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
* تنظمون اليوم ملتقى (حوارات تنموية) بعنوان (دور القطاع غير الربحي في تنفيذ رؤية المملكة 2030م).. ما الدافع لاختيار هذا العنوان والنتائج المأمولة من الملتقى؟
منذ طرح فكرة الملتقى قبل ست سنوات حرصت المؤسسة على طرح الموضوعات التي تمس قضايا التنمية المحلية، عبر استضافة صناع القرار والخبراء للحوار والمناقشة حول الموضوعات المختارة، ولاسيما تلك التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالقطاع غير الربحي. وساهمت النقاشات السابقة بشكل كبير في إثراء جوانب عديدة لهذا القطاع. ونحن نأمل من خلال الدورة الخامسة التي تحمل عنوان (دور القطاع غير الربحي في تنفيذ رؤية المملكة 2030م) إثراء النقاش حول مساهمة القطاع في النمو الاقتصادي ومحفزاته الممكنة، والوضع التنظيمي له؛ لتهيئة منظماته نحو المساهمة الحقيقية في هذه الرؤية. ونرجو أن نوفَّق في الخروج بتوصيات خلاقة، تسند للقطاع خدمات أكبر، وتوفر له بيئة تنظيمية داعمة، وتمنحه مسؤوليات كبرى بالشراكة مع الجهات الحكومية، وتمكنه من الشروع في تنفيذ برامج حديثة بممارسات عالمية.
* ما الخطط الاستراتيجية التي أعدتها المؤسسة من أجل تنفيذ رؤية المملكة 2030م؟
بتوفيق من الله، الخطة الاستراتيجية الموضوعة للمؤسسة بداية العام الميلادي الماضي تتناغم إلى حد كبير مع تطلعات الرؤية الرامية للنهوض بالمجتمع وتحقيق استدامة للاقتصاد الوطني. فنحن منذ تأسيس المؤسسة حرصنا على دفع الفرد إلى الشراكة في تحقيق التنمية الاقتصادية، ونقوم سنويًّا باستقطاب أفضل الكفاءات القادرة على نقل المعرفة الحديثة للقطاع من خلال ورش تدريبية متنوعة في مضامينها؛ لتمكين العاملين بالقطاع غير الربحي؛ فمفهوم (الاستدامة وابتكار حلول للتحديات الاجتماعية) يُعد أولوية لنا في المؤسسة.
وبالإشارة إلى الحديث عن رؤية 2030، فلقد قامت المؤسسة بتقييم خطتها الاستراتيجية وعملها بشكل عام من خلال الاستعانة بشركة متخصصة في التنمية المستدامة، هي شركة (أكاونتبيلتي) الأمريكية، ومدى توافق خطط وبرامج المؤسسة مع مبادرات ورؤية 2030، وكانت النتائج - ولله الحمد - مبشرة ومشجعة؛ ومنحت المؤسسة تقييمًا عاليًا في المجالات التي تندرج تحت نطاق عمل المؤسسة.
* هل ستكتفي المؤسسة بهذه الإسهامات وتقوم بتكثيفها في المرحلة المقبلة؟.. أم سيكون هناك إضافة مغايرة عن العمل في السابق؟
بالتأكيد العالم بطبعه متغير، ويجب أن تكون هناك مرونة في التعاطي مع المرحلة الحالية. وسينصب التركيز الفترة المقبلة - إضافة إلى ما نقوم به من مشروعات وبرامج تنموية متنوعة - على دعم البيئة القانونية لمنظمات القطاع بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، والمشاركة في دعم البيئة التشريعية الداعمة للقطاع. وسنعمل على طرح المبادرات التي تصب في صالح الاستثمار الاجتماعي في المملكة، وأن يكون للقطاع غير الربحي فاعلية أكبر في قطاعات الصحة والتعليم والأبحاث والبرامج الاجتماعية والثقافية، وذلك بالشراكة مع الجهات الحكومية والخاصة والمنظمات الزميلة داخل القطاع.