د.عبدالله مناع
بداية.. لم ألحظ، أن هناك أحداً من الزملاء الصحفيين.. من النقاد أو المعلقين أو المحررين الرياضيين بدرجاتهم.. من انتقد أو (علق) سلباً على نقل إقامة مباريات (السوبر) الكروية بين (بطلي) الدوري والكأس.. إلى مدينة (لندن) في الصيفين الماضيين وليس إلى أي مدينة سياحية عربية أخرى.. على كثرتها.. وأهليتها لـ(استضافة) هذه المباراة الكبرى بجماهيرها: مناخياً وفندقياً وسياحياً!؟ ولو أن أحداً.. فعل ذلك، وتساءل: (لماذا.. لندن) وليس القاهرة أو الإسكندرية أو بيروت أو عمان أو الدار البيضاء المغربية..؟ لأراحني من كتابة هذا المقال (الرياضي).. في عنوانه، و(السياحي).. في موضوعه، و(الباكي).. في صلبه على حال مدن السياحة العربية.. التي أعلنا بوارها.. بـ(اختيارنا) لمدينة (لندن) لتكون ملاعبها الرياضية أرضاً لإقامة المباراة.. و(فنادقها) مقراً لأولئك الآلاف من المشجعين والمشجعات الذين شدوا الرحال إليها لمشاهدة المباراة.. و(متاجرها) لتسوقهم.. و(مقاهيها) لجلساتهم الصباحية.. ومطاعمها و(أنديتها) الليلية لسهراتهم..؟
لكن أحداً... لم يسأل؟ ولم يستنكر اختيار (لندن).. لتكون مقراً لاستضافة مباراتي (السوبر) هذه.. بل كانت هناك وعلى الصفحات الرياضية - إن لم تخن الذاكرة - حالة من البهجة، وشيء من الفرح.. بل والتظاهر.. وربما (المفاخرة).. بأن نكون في (لندن) عاصمة عواصم العالم، وليس في أي عاصمة أو مدينة عربية أخرى، تلبي ما تسرب من أخبار عن أسباب اختيار إقامة هذه المباراة خارج الوطن.. وليس في داخله.. حتى يتمكن العنصر النسائي من حضورها ومشاهدتها.. كما قيل؟
* * *
حقيقة، لست أدري: من هي الجهة.. التي أذنت بإقامتها في (لندن)..؟ أهي الهيئة العامة للرياضة.. أم الاتحاد السعودي لكرة القدم.. أم هم رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الأندية المنافسة في تلك البطولة..؟ ولكنها - وفي كل الأحوال - أعطت رواجاً سياحياً لـ(لندن)، لم تكن بحاجة إليه.. فـ(لندن) كـ(باريس) تستقبل سنوياً ما يزيد عن ستين مليون سائح من شتى بقاع الأرض.. بينما مدن السياحة العربية التي تهيئ نفسها لاستقبالهم كل صيف تتحدث عن ملايين محدودة من السائحين، لا يبلغون في أفضل مواسمها العشرة ملايين سائح، وهي المدن الأحوج.. والأحق بهذا الترويج السياحي الكروي.. إن كان ما يزال في قلوبنا بعض من تلك العروبة.. التي توشك أن تغادرنا أو نغادرها!!
* * *
إنني مازلت أذكر.. أن النادي الأهلي - وهو الفائز بـ(السوبر) الثاني - كان يقيم في كل صيف دورة صيفية، تحت مسمى (دورة المصيف) أو (دورة الصداقة) مع بعض الأندية الصديقة له للترويج سياحياً لمدينة (الطائف).. التي كانت المصيف الرسمي للدولة، تشارك فيها أندية عربية كبرى كالنادي الأهلي والإسماعيلي المصريين.. إلى جانب الأندية السعودية، إلا أن تلك الدورة توقفت.. مع تراجع مدينة الطائف عن دورها من جانب، وازدحام أجندة الكرة بالعديد من المواسم والمسابقات الكروية القارية والعالمية التي تشارك فيها أنديتنا إلزاماً.. بحكم عضويتها في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، لتحل (أبها) في عز أيامها - مع إمارة الأمير خالد الفيصل - محلها.. بالحركة التشكيلية ومسرح المفتاحة الذي غنى فيه أعظم مطربينا: الراحل طلال المداح.. وفنان العرب محمد عبده.. حفظه الله، فكان ذلك أعظم ترويج للسياحة تشهده مدننا السياحية على الإطلاق، ولم تشهد مثله.. من بعد!!
* * *
ومع تجمد ذلك كله مع مغادرة أمير عسير لموقعه.. عادت (كرة القدم) لتصبح أحد أهم المروجات السياحية في بلادنا، التي ما تزال تقاوم العروض السينمائية والمسرحية والفلكلورية.. وتريد أن تكون لدينا سياحة داخلية يتهافت عليها المواطنون.! فما كان يصح أن يذهب هذا الترويج السياحي بـ(عائداته) الوفيرة دون شك.. إلى (لندن)، الغنية عنا.. وعن ترويج (السوبر) لها، والتي تعتبر هي وجنيف وباريس أغلى مدن العالم.. وأعلاها تكلفة.. إلى جانب صعوبة الحصول على تأشيرات الدخول إليها.
* * *
لقد ذهب بي الظن.. إلى أن إقامة مباراة السوبر الأولى وقد كانت بين ناديي العاصمة الهلال والنصر.. إنما كانت بسبب القدرات المالية التي يتمتع بها الناديان وأعضاء مجالس إدارتهما، والتي تمكن من تحمل نفقات.. انتقال هذا الكم الكبير من اللاعبين والمدربين والإداريين والمشرفين والمساعدين، وربما نفقات بعض المشجعين.. وأن أمر نقل هذه المباراة إلى (لندن) لن يتكرر بعد ذلك.. إذا تغير طرفاها، إلا أن الأمر تكرر في السنة التالية.. مع تغير طرفي المباراة عندما أصبح طرفاها: ناديي الهلال والأهلي.. رغم أن النادي الأهلي وأعضاء مجلس إدارته لا يقلون في قدراتهم عن نادي الهلال.. إلا أن بعض مشجعي النادي الكثر لا يملكون ترف الذهاب إلى (لندن) لمشاهدة ناديهم الفائز ببطولة الدوري.. في مواجهته لنيل كأس (السوبر).. لتبقى مرارة إهانة المدن السياحية العربية الشهيرة - المنتظرة لمثل هذه المناسبات - في حلوق أصحابها بهذا (التجاوز) لهم، وهذا النسيان - أو التناسي - لوجودهم ولتاريخهم السياحي العريق..!!
أما إذا أرادت الأندية الثلاثة بـ(سعيها).. أو موافقتها على إقامة مباراتي السوبر السابقتين في (لندن).. تكريم لاعبيها، والثناء على جهودهم التي بذلوها طوال الموسم حتى أوصلتهم للفوز بواحدة من البطولتين.. بهذه الرحلة الصيفية إلى (لندن)، فقد كان يكفي الأندية الثلاثة.. أن يقيم كل منهم معسكراً ترفيهياً بأكثر منه تدريبي لأولئك اللاعبين ومدربيهم.. للاستمتاع السياحي بـ(لندن) ومباهجها السياحية والحياتية، لا أن تُجترح إهانة مدن السياحة العربية.. لمرتين على التوالي.
* * *
وبعد..
يبقى الاعتذار.. للصفحات الرياضية ومحرريها ونقادها ومحلليها.. عن هذا الاقتحام لعرينهم، فلم أرد بهذا المقال.. الكتابة في الرياضة أو عنها.. ولكنني أردت أن أدافع عن المدن السياحية العربية الكبرى.. التي أهانها - دون قصد - نقل مباريات السوبر إلى (لندن).. ليس أكثر.