ناصر الصِرامي
نعيش اليوم مع المواطن الصحفي، النسخة الجديدة من «المؤسسات الإعلامية الفردية»، أكثر مما نفعل مع كل المؤسسات الصحفية، وتأخذنا شبكات وتطبيقات التواصل الاجتماعي الآني والمباشر إلى عالم متشعب من الأخبار والصور والرأي، والرأي الآخر، وإلى متابعة تفاصيل الرأي العام وردود أفعاله، مواقفه، نقده، وفرحه وامتعاضه، كذلك يفعل غالبيتنا اليوم مع كل منصات التواصل الاجتماعي بمحتواها الفوري، ودائمًا لا بد أن نسلم في كل فتح جديد بسلطة التقنية.. والشكل الجديد للسلطة الرابعة في تشعبها وتحديثها وتجددها، ومساحة حريتها..!
إنه التحوُّل الحاسم نحو تأثير الصورة المتحركة في هواتفنا الذكية، وفي جيوبنا وأيدينا، بتواصل يتفوق على كل الإغراءات والوقت، تواصل لا يتوقف كل لحظة ودقيقة وساعة.. هل لك أن تتخيل حجم المعلومات والمشاركة والتفاعل التي تتم في يوم واحد عبر كوكبنا، وبكل لغاته وثقافته..؟!
إنها حتمًا مرحلة بشرية مثيرة في تفاعلها واتصالها.. لكن المؤكد أن القادم والمنتظر مُغرٍ جدًّا أيها السادة..
إن كانت الصورة عن ألف كلمة فإننا يوميًّا أمام لقطات لا تتجاوز ثلاثين ثانية، تتفوق في حقيقتها على مئات الصفحات، وقد تتفوق لقطة واحدة على ملايين الدولارات أو الريالات من حملات العلاقات العامة، أو تصيبها بضرر بالغ، إذا لم توجّه لها ضربة قاضية..!
انطلقت الصحافة عندنا كصحافة أفراد قبل أن تتحول إلى مؤسسات صحفية، مؤسسات كانت إلى وقت قريب تضاهي في أرباحها الشركات العامة والمساهمة.
لكن ذلك كله تغير الآن، وأصبحت تعاني إلى حد ما أكثر من أي وقت مضى، في ظل توسُّع المواقع الإلكترونية والتطبيقات المتنوعة، وشبكات التواصل العالمية، وتبدلت معها مصادر المعرفة والأخبار، وطريقة صياغة الخبر والمعلومة وتقديم الرأي..!
تحوُّل مهم، يجب أن نأخذه بجدية بالغة. صحيح أن هناك بعض «التشويش» في المشاركات التي تعبر عن الجهل والتقصير وبعض التخلف والظلامية، أو حتى تهبط إلى مستويات أخلاقية غير مقبولة، إلا أن ذلك ليس عائقًا أو عذرًا للتجاهل أو السخط على ما تظهره للسطح وتكشفه.. بل هذا لا يهم، إن هذا جزء من التشويق الفاضح للجهل والناقد له، حتى دون أن يدرك، قد يكون الجزء الجميل من «مؤامرة» التنوير التقنية.. التي لا بد أن تصل إلى الفرز أيضًا..!
لكن من يمكنه أن يتجاهل هذه التحولات الكبرى، التي جعلت من المؤسسات الصحفية التقليدية والقنوات الإعلامية الحكومية وشبه الحكومية تتراجع عن دورها، وتخسر الكثير من جمهورها؛ وبالتالي دخلها الإعلاني؟!
صحيح أن بعضها يحاول التأثير والاستمرار نحو التحوُّل إلى استخدام أدوات الإعلام الجديد.. لكن هذه المحاولة لا تعدو كونها استخدامًا حتى اليوم فقط، لا استثمارًا فعليًّا؛ وهو ما يجعل بعضها يفشل لفهم الأبعاد التسويقية والتجارية الممكنة لهذه الموجة الجديدة، والإمساك بتوجهاتها المستقبلية.
سأقدم لكم ملاحظة بسيطة هنا.. لقد أصبحت الدول - المؤسسات - الشركات تلجأ اليوم إلى الكثير من «المؤثرين» على ساحات التواصل الاجتماعي -مثلاً- لتمرير رسائلها، أو تبرير مواقفها، أو تحفيز الرأي العام بالاتجاه الملائم لها..!
وهو اعتراف صريح ومعلن بدور الإعلام الجديد، والصحفي المواطن أو المواطن الصحفي، لكن هذا الاعتراف لا يتبعه استراتيجيات عملية لتحويل المؤسسات الإعلامية وشركاتها الصحفية إلى منارات تأثير حقيقي في فضاء الإعلام الجديد أو المتجدد.. وهذا لا يتطلب جهدًا حكوميًّا بالضرورة، بل إلحاح المساهمين والمستثمرين في هذه المؤسسات، التي يواجه بعضها تقلُّصًا في عائداتها.. فيما البقية الباقية منها موعود بخسائر جديدة أو إضافية.. وهو أمر يحتاج إلى رؤية إعلامية أحدث، تستجيب للمتطلبات المهنية والتسويقية التجارية الحديثة ومتطلباتها.. قبل أن تتلاشى تمامًا..!