د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أطلقَ مركزُ الملك عبد العزيز للحوار الوطني برنامجاً وطنياً محفّزاً تجوب قوافله مناطق بلادنا وهي محمَّلة بذخيرة من الحِراك الداعم لتفعيل الممكنات المجتمعية في دعم التلاحم والتعايش، ورُصدت جملة من الأهداف التي أعلنها المركز منها: تعزيز المفاهيم الوطنية التي ترسّخ قيم الانتماء والوحدة وتساند الجهود الأمنية لمواجهة التطرف والتعصب بكافة أشكاله والعمل على تحقيق القيم الفكرية والاجتماعية التي تتضمّنها الرؤية الوطنية 2030 التي تؤكد على تعزيز منهج الوسطية والتسامح وقيم الإتقان والانضباط والعدالة والشفافية, واستنهاض الشباب والأسرة للقيام بمسئولياتهم الدينية والاجتماعية بما يسهم في تعزيز الاعتدال وتحصين أفرادها من خطر التطرف والتعصب والعنصرية والكراهية, وبناء جسور التواصل والحوار بين أفراد المجتمع لتعميق الترابط والتلاحم الاجتماعي، ولن أستجلب محمولات البرنامج حديثاً ووصفاً، لكي لا أكون كما قال ابن زهير:
ما أرانا نقول إلا معارا
أو معادا من قولنا مكرورا
ووطنا حتماً غير قابل للقراءة أمام وجوده في «عالم الإمكان والتمكين» فلن نتوقف عند حجم جهوده لكي نصل إلى حضرة مقدساته في مكة والمدينة وفي بلسم نجد الذي يقطر وداً, وزيتون الجوف ولغته المليئة بالحديث الحلو كما هي حلوته وجنوبنا الذي تشققت له الدنيا صموداً وانحسر عنه الأعداء كمداً، وشمالنا الذي يحمل وجوداً ظاهراً ومستتراً في فواغي وروده وبروده، وشرقنا المليء بالكنوز في أعماق أرضه, والعقول الملأى في فضاءاته كل ذاك المثال أمام العالم أفقهُ الحقيقي تلاحم متين ذو قوة أبرمت عقودها قيادة راشدة فكانت قوافل «تلاحم» منصة وعي وانفتاح أخرى فالتلاحم الوطني مفهوم اتفقنا عليه مع ديننا قال تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (66) سورة النساء, فالتلاحم تحقيق للمصلحة المشتركة الكبرى، وهو توليد منظومة حب كبيرة لا تقتصر على حب المكان, ولكنها تشمل أيضاً حب الناس الذين يعيشون على أرضه، وتقدير عقوله التي تفكر من أجله وسواعده التي تبنيه؛ وتأسيساً على ذلك فنحن لا نحتاج إلى جهد ذهني من أجل فهم أبعاد ممكنات التلاحم الوطني، بل نحن أحوج إلى تحقيق التحول إلى الوطنية الصافية من خلال التلاحم؛ فمتى ترنَّح واقع التلاحم عن موجهات الإصلاح فقد ترنَّح مفهوم الوطنية، فنحن من نمنح التلاحم الوطني الحياة ونحن من ننزعها منه أيضاً، ومن هنا تبرز أهمية التجربة في قاموس الحياة وتنصيب مفردات المغامرة وبناء الأحكام على التجارب وليس على التوقعات, وأن لا يكون مقياس التفاعل مع حراك الوطن لتحقيق التلاحم مبنياً على الحظ فقط فنحن لا نشتري جمادات وإنما نصنع مواطنين صالحين، كما ينبغي لتحقيق ذلك ترقية واقع العلاقات بأن يتشكَّل المجتمع الذي يحتضن الجميع دون تذويب في قدح الرأي الواحد، ومن ممكنات التلاحم التفاعل الإيجابي مع سياسات الدولة، وتصحيح الاستجابة النوعية من قِبل الأفراد كل من موقع مسئوليته، وفي كثير من الحالات يؤدي توجيه خطأ القرار في منظور الفرد إلى نتيجة أفضل من صوابه، ونردف أن من مقومات تعزيز التلاحم «تدشين» النقد الذاتي البنَّاء لأن الفعل الذاتي يحرّك الفعل الجمعي، ولا بد من الصناعة الأسرية المتفوقة بأن تبرم كل أسرة عقداً اجتماعياً للتحالف مع المستقبل يكون أقل اتكاءً على الدولة ولكنه أكثر مشاركة معها في تنفيذ المسئوليات,تلك خصيصة تضخ في كيان التلاحم الوطني مشاعل الحياة.
حفظ الله بلادنا في ذرى الأمجاد عالية.