رقية سليمان الهويريني
من مظاهر التخطيط المعماري في أحياء الرياض الحديثة اتساع الشوارع بصورة مبالغ بها، وأصبح من المعتاد تسمية الشوارع بمدى اتساعها حتى أطلقت أسماء مثل شارع المائة وشارع الستين وشارع الأربعين في الربوة والنسيم، وشارع الثلاثين في السليمانية، وغطت شهرة هذه الأسماء على أسمائها الحقيقية!
واتساع الشوارع خطأ كما أراه، تسبب في مشاكل عديدة، منها تكاليف السفلتة والأرصفة والإنارة، وتأثيره على مساحات المباني؛ إذ التهمت الشوارع مسافات كبيرة، كان يمكن استثمارها في مبانٍ معمارية، والتقليل من التمدد الأفقي، فضلاً عن أن اتساعها قد أغرى السائقين السفهاء بالسرعة والتهوُّر؛ إذ يستمرئ الشباب فيها التفحيط وإيذاء المارة وإزعاج السكان، فضلاً عن إزهاق الأرواح!
وقد تفتقت أذهان بعض رؤساء بلديات الأحياء لحل مشكلة التفحيط بوضع المطبات التي دمرت السيارات، وضايقت مرتادي الطريق من الراكبين المسالمين! وكان بالإمكان حل هذه المشكلة بمعاقبة المفحطين، وتوقيفهم، وحجز مركباتهم، والتقليل من اتساع الشوارع بوضع مساحة كافية وآمنة للمشاة، أو زرع أكتافها بفسائل من النخيل؛ إذ لا تحتاج للكثير من المياه، وليس لها أوراق تتساقط فتشوه المكان، ويمكن متابعتها من لدن بلديات الأحياء.
ويماثل هذه المشكلة الهندسية مشكلة اجتماعية، هي التحرُّش؛ فبدلاً من سَنّ قانون ومعاقبة المتحرشين تم تحميل الوزر على الفتيات والنساء بالعموم؛ فقيَّدوهن بالمغالاة بالحشمة والمبالغة بالتستر! وتحذيرهن وتخويفهن من المشي منفردات بالرغم من تعرُّض حتى المحتشمات للتحرش، ووقف المجتمع والنظام ضد سواقة المرأة للسيارة بدعوى حمايتها من التحرش؛ بسبب تفشي هذه الظاهرة المنتنة.
ولمعالجة جميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية وحتى الهندسية ينبغي مواجهتها، والقضاء على أسبابها، واجتثاث جذورها، وليس قص أغصانها من خلال وضع الحلول الآنية التي لا تعدو أن تكون ردود أفعال وقتية، لا تعالج المشكلة، وإنما تسكِّنها فقط!
وفي حين وُضعت عقوبات ناعمة على المفحطين عن طريق التدرج بالجزاءات فإننا نأمل بسَنّ قوانين تجرّم ظاهرتَي التفحيط والتحرش؛ فالتشريع سيحد من هذه التصرفات الشاذة، وسيردع المفحطين والمتحرشين ضمانًا لأمن الناس، ومحافظة على حرياتهم وحقوقهم، وتأصيل الآداب العامة، مع ضرورة تعزيز الأخلاق ومبادئها كيلا نبحث عن الحلول العاجزة!