د. حمزة السالم
المدن الاقتصادية هي أداة من أهم الأدوات الفعالة التي تقوم عليها نهضة الاقتصادات الناشئة في العصر الحديث. وقد أوجدها حاجة الاقتصاديات المتأخرة لسبق الزمان للحاق بالاقتصاديات المتقدمة كدول شرق آسيا والصين وغيرها من دول العالم أجمع. ونحن نلمس عن قرب الآثار الاقتصادية الكبيرة لجبل علي، وكونه العمود الفقري لاقتصاديات دبي. وكذلك يعرف الكثير أهمية شينزين، وجه الاقتصاد الصيني على العالم.
هذه المدن الاقتصادية ما تحقق لها النجاح إلا بعد عثرات عديدة وصعوبات وتحديات.. ولم تصل إلى ما وصلت إليه اليوم إلا خلال عقود زمنية.. (فشينزين) احتاجت -بعد تخطي عثرات تأسيسها- لعشرين عاماً لتخرج من قوقعتها المحلية الضيقة للعالمية الواسعة. وكذلك هو حال جبل علي فبعد تخطيه للعثرات والتحديات، أمضى خمسة عاماً لا يجذب أكثر من تسعين مستأجراً سنوياً. ونجاح هذه المدن لم يكن أصلاً أمرًا هينًا.
وهذا ما يزيد من إصرارنا وحرصنا على مدينة الملك عبدالله الاقتصادية. فعوامل نجاح من نجح من هذه المدن، لهي أكثر وفرة في مدينة الملك عبدالله. فنجاح شينزين من بين أربع مدن اقتصادية أقيمت في نفس إقليمها، كان بسبب قربها من هونج كونج. وكذلك فمدينتا قريبة من جدة والمدن المقدسة.. وإن كان نجاح جبل علي قائم على احتياج المنطقة له، فوجوده تابع لا أصل، فإن مدينتنا مدينة الملك عبدالله فهي قائمة على الاحتياج الذاتي للاقتصاد الوطني فعامل نجاحها أصل في ذاتها لا تبع لغيرها.
فمدينتنا إذاً تتمتع بمزايا تُقصر عليها طريق الوصول لتتبوأ تاج المدن الاقتصادية. فإن كان نمو جبل علي قد ساهم به التجارة العالمية رغم موقعها الجغرافي داخل الخليج.. وإن كان نمو كرة الثلج هو من دفع شينزين للعالمية، فإن مدينة الملك عبدالله تقع على معبر التجارات العالمية بين الشرق والغرب بخلاف جبل علي.. وما أن تقوم مدينتنا من عثرتها، فإن تحقيق نمو كرة الثلج هو أعظم وآكد في حالها من شينزين، لكونها معبراً للتجارات العالمية.. فعوامل فشل المدن الاقتصادية أو تأخر نمو من نجح منها، هي نفسها عوامل نجاح لمدينتنا واختصار مدة نموها.
كبوة طموحنا الوطني في مدينتنا ليست ببدع عن غيرها، وتكاليف إقالة عثرتها لا تقارن بالمأمول من مدينتنا ولا بعثرات المدن الاقتصادية الأخرى العالمية.. بل لا تقارن كلفتها بطموحات وطنية سابقة، كالجبيل وينبع.. فمدينة الملك عبدالله نسيج وحدها لا تشابهم في تركيب ولا منتجات.. فالهيئة الملكية للجبيل وينبع، التي استغرقت 38 عاماً لتصل إلى ما وصلت إليه، تعتمد على قطاع البترول والقطاع العام، فهي تقوم على أساس محلي ويعود خيرها على الوطن. بينما مدينة الملك ستقوم على العالمية، ويعود خيرها على الوطن.. وإن كانت الهيئة الملكية تحقق نسبة عالية في توظيف السعوديين -بسبب قطاعيها البترولي والعام مما قد لا تحققه مدينتا قريباً، إلا أن أنفاق الحكومة على هذه الوظائف عالياً جداً بمتوسط أعلى من مليون ونصف سنوياً لكل موظف.. وإن كانت المدن الصناعية توفر فرصا كبيرة للتوظيف، إلا أنها -لطبيعة عملها الصناعي- لا تزيد نسبة السعوديين فيها عن نسبة 10 %.. وكل قائم على ثغرة من ثغرات الوطن، إلا أن الشاهد هو أن مدينتنا نسيج وحدها.
باختصار المدينة هي رهان البلاد أمام تقلبات النفط وهي الرحم المناسب لاحتضان الفكر الحضاري الجديد.