د. صالح بن سعد اللحيدان
تشكل القدرات الزائدة لدى الإنسان المسؤول في سياسة الدول في المراتب العليا ضربًا حيًّا مشهودًا من بلوغ المراد القوي المتين السائر على قدرة فذة من عقل رشيد.
فالتأني / وحسن التصور / ونباهة التصرف / والثقة الجيدة في النفس / وسعة بطان المسؤول وحرصه على حفظ الأمن والتجديد النوعي.. وسعة البطان هذا وذاك يسيران في الطراد اللامحيد عنه إلى خلود الذكر بخلود العمل الصواب.
والقضاء إذا اتصف صاحبه به، سواء مشرفًا عامًّا أُنيطت به المسؤولية، أو قاضيًا، قلَّ القيل والقال لانعدام موجب هذا وذاك.
ولا يحسن هنا الفصل بين القضاء وحقيقة اختيار من يزاول القضاء عمليًّا، فإن تم ذلك كان للعجلة الدور الكبير فالخلل الموجب للملاحظة.
وفي تقديري، ولعلي أجزم هنا أن تكرار الملاحظة يعتبر بحد ذاته خللاً لا بد من حله ولو طال المطال.
ولا يهم هنا في دائرة كبار الدول الرائدة أن أجعل للعاطفة أو الحب أو الكره مركزًا رئيسيًّا، أعود إليه لإرضاء عاطفتي أو حبي أو كرهي أو شكي في هذا أو ذاك؛ فقد يكون للوشاية دور كبير للكراهية، بل إن اختيار المسؤول كبيرًا كان أو صغيرًا لا بد أن ينسجم مع الموهبة والتجربة، تلكما اللتان يتمتع بهما، وسوف يبيّن اختياره لهذا المنصب أو ذاك حقيقة إن هو موهوب مجرب أم خلاف ذلك.
هذه هي الحكاية التي كنت وغيري من المتخصصين في السياسة العليا نبينها ونوضحها عن طريق الحال وعن طريق المقال نصحًا صادقًا وجلبًا للأمن في حسه ومعناه، وذلك في نجاح من نراه صالحًا للقضاء مهما كان منصبه، ومهما كانت درجته، ومهما كان عمله.
أقول: وهذا أمر لا يتوقف الأمر فيه على القضاء عمليًّا أو مسألة القضاء نظريًّا، بل في مرافق الدولة كافة التي تنشد الاستقرار والدوام بصرف النظر عن نقد أو تجريح أو تشويش من يتم اختياره. وقد قال عبدالرحمن ناصر (أقفلنا باب الوشاية فلا نقبل من رئيس على مرؤوسه، ولا نقبل ولا نسأل قريبًا عن قريبه ولو كان عندنا مقربًا؛ فإن للحقد دوره وللمنافسة دورها).
قلتُ: أيضًا فواثق الخطوة في بناء الكيان وترسيته لا يلتفت إلى هذا أو هذا أو ذاك.
وأعود في هذا الجزء إلى القضاء ومرادفاته؛ ليتبين حقيقة هذا المنصب الجليل في الحياة، وذلك من خلال بيان مفردات؛ لعلنا نحتاج إليها في هذا الحين.
أولاً/ اقض عني.. ومنه قضى الدين (بفتح الدال).
ثانيًا/ قض لي حقي.. هب لي حقي (كرد الدين أو القرض مثلاً، وهذه لغة يمانية خاصة خولان ومدحج وبني يام)
ثالثًا/ هل قضى لكم.. هل حكم لكم.
رابعًا/ هل قضى عليكم.. بمعنى حكم ضدكم.
خامسًا/ هل قضى فيكم.. لكم.. أو بينكم.. أو عندكم سواء، وهذا من المشترك المعنوي.
سادسًا/ هل يقضي الحاكم.. يراد بهذا هل القاضي ينظر القضية الآن.
سابعًا/ هل قضى بالمعوادة.. هل جعل موعدًا آخر.
ثامنًا/ قضى عليهم.. أتى عليهم، ويدخل في هذا معان كثيرة.
تاسعًا/ القضاء قضاء.. الحكم هو الحكم، ويراد بهذا أنه لا معاودة بعد الحكم حتى يتبين ناقض له بدليل مادي متين.
عاشرًا/ بماذا حكم الحاكم.. بماذا حكم القاضي.
والقاضي هنا حاكم بنسبة جزئية وإلا فالحاكم العام هو ولي أمر المسلمين، والقاضي ينوب عنه، ويتحمل الذمة؛ ولهذا وجب أن يكون القاضي على حال جليلة من الفطنة والدهاء والعدل وسياسة النزاهة وصدق الولاء لحفظ الأمن وإعطاء كل ذي حق حقه.
الحادي عشر/ هل انقضى المجلس.. يراد بهذا هل انفك وانتهى من النظر والحكم بين المدعي والمدعى عليه أو بين الخصماء وأصحاب الحقوق.
الثاني عشر/ القضاء في الآتي.. بمعنى في موعد آخر لسبب ما.
قلتُ: ولا يحسن تأجيل القضايا؛ لأن هذا يدعو إلى التراكم، وبعض ذوي القضايا لعلهم من كبار السن أو المرضى أو الوحيدين، بل لا بد من الجزم في إنهاء القضية، تلوها القضية بعد القضية بسبق تصور جيد، ونظر جيد، وموهبة سديدة. ولا بأس من الاستشارة مع حسن الإنصات وقوة التواضع وجلال الفطنة.