سهام القحطاني
اعتاد العرف الاجتماعي حتى في صيغته العالمية أن يوصَف الهزيمة بالنسبة للرجل بأنها «خسارة اضطرارية» ويوصّف الهزيمة بالنسبة للمرأة بأنها «فشل طبيعي».!
وما بين هذين التوصيفين تكمن أزمة الثقة في قدرة المرأة على «مزاولة السياسة» أو «مزاولة أي عمل جماهيري».
ولو قاربنا بين فكر الشعوب لوجدنا أن ذات الأزمة قائمة بمستويات مختلفة و مصادر بنائها الفكري تتشابه لحد كبير؛لأن الذاكرة التاريخية للشعوب تكاد تتوافق فيما يتعلق بتاريخ المرأة.
تكمن إشكالية المرأة لدينا كشعوب عربية في إطارها التاريخي الذي أصبح بالتقادم مع سيطرة اليمين الديني معتقدا دينيا،انبنت عليه العديد من القوانين التي قصصت الطموح السياسي للمرأة العربية،هذا التداخل ما بين التاريخي المفرط في وجدانية العداء نحو المرأة و الديني المصنوع هما اللذان عززا أسطورة «فتنوية المرأة»هذا الأسطورة سواء قبلنا أو رفضنا هي التي يتحرك في ضوئها الكثير من التشريعات في هذا المجال.
وبذلك يصبح الفكر الديني سواء في نسختيه الوسطية أو المتطرفة من أهم معوقات تفعيل الطموح السياسي للمرأة.
تحسب في كثير من الأحيان أن هناك نية مقصودة بالسبق و الإصرار من الديني المتطرف للانتقام من المرأة ؛فهو ما يزال رغم المؤكد القطعي النافي لعلاقة المرأة بتاريخ الفتنة الأولى مؤمنا باعتقاد أن المرأة «فتنة متحركة» لايأتي منها إلا الشر،وهذه الفكرة سواء في إضمارها أوسفورها هي التي تحرك التشريع الديني الموجه بالعداء نحو المرأة.
هذا التاريخ المزيف للمرأة الذي يروجّه اليمين الديني شكّل جلّ تاريخ الرأي العام الشعبي حول المرأة.
وقد يرى البعض إذا كان الأمر فيما يتعلق بتزييف تاريخ المرأة هو شأن معلق بخصوص التطرف وليس بعموم الديني فكيف يغلب الخاص العام؟.
و المسألة أظن أنها لاتٌحسب بالحالية إنما بالأقدمية هذا من جانب،والجانب الآخر هو أن «سلبية العموم» أفسحت لضجيج الخاص بالتأثير.
يمكن تقسيم الفكر الديني إلى ثلاثة أقسام ؛الفكر الديني اليميني المتطرف، والفكر الديني الوسطي، و الفكر الديني اليساري اللامتطرف، والقسم الثالث متهم من الأوليين بالشذوذ، وهو ما يجعل إصداراته الفكرية غير معترف بها كقاعدة تشريعية.
وبذلك فالمفاهيم الدينية وفق هذا التقسيم تخضع لمعيار التوازن والالتزام وفق درجة النفع أو الضرر، وتعامل جل قضايا المرأة من خلال الفكر الديني الوسطي من خلال معيار «درجة النفع و الضرر» وهو معيار غالبا مبني على أسطورة الفتنة وهي قاعدة بناء لا شك أنها «ظالم لتاريخ المرأة ثم لحقوقها السياسية» لأنه مروّج للصوت المتطرف «بفتنوية المرأة» ولذا يصبح هذا المعيار داعما لصوت الخاص الذي ينتجه اليمين المتطرف، وهو أمر يفقد العام تأثيره على إعادة تشكيل الرأي العام في أحقية المرأة في الحاكمية السياسية.
ولايمكن ادعاء المبالغة إن قلت إن الديني الوسطي و المتطرف يتحدان ويتفقان فيما يتعلق بالنظرة التوجسية للمرأة، وما يثبتّ هذا الأمر الموقف الضبابي للفكر الديني الداعم للوسطية من حق المرأة في مزاولة أي عمل سياسي أو جماهيري بذات القوانين التي يخضع لها الرجل،فثمة دوما استثناءات تشريعية وقانونية عندما يتعلق الأمر بالعمل الجماهيري للمرأة وهي استثناءات تمييزيّة سواء قبلنا أم هربنا مبنية على التاريخ المزيّف للمرأة باعتبارها «محذور فتنوي».
أضف إلى ذلك ما يدعم الإثبات السابق أن الفكر الديني في نسخته الوسطية غالبا ما ينظر إلى الدعوات المنادية بحق المرأة في الحاكمية السياسية بنظرة ريب تهدف إلى إحياء فتنوية المرأة و إفساد المجتمع ،وهو منطق يتفق في خلاصته مع الديني المتطرف القائم على أن المرأة فتنة لعن الله من أيقظها.