للسعودي حضور طاغ فى الاعلام الجديد البعض يراه طبيعيا والبعض الآخر يراه شهوة حضور تتغشاه فتجعله اسيرا للشهرة والدهشة والمعلومة والفضول.
السعودي فى هذه الوسائط يتقمص الكثير من الرؤى والمفاهيم والشخصيات، فتارة يتلبسه الواعظ وتارة السياسي واخرى خفيف الظل ،وفى كل ظرف زماني تجده حاضرا وبكل قوة متلبسا الفكرة واللحظة والطريقة.
فى الواتس أب-مثلا-، وهو برلمان الكتروني مصغر يلتف الجيران او العائلة او رموز القبيلة فى مجموعات صغيرة يتناقشون ويتنافسون ويقررون كثيرا من امورهم الحياتية، هنا تحضر شهوة الحضور عند السعودي، فإن كان الأمر وعظا شمر عن ساعديه وقص ولصق العديد من المقاطع والحكم والاقوال وارسلها لمجموعته، وان كان خبرا عاجلا فالسبق كمفهوم يبقى الاهم والاكثر حضورا فى أدبيات ومناشط هذه البرلمانات.
السعوديون من أكثر الشعوب حرصا على الظهور من خلال هذه الوسائل، فالثقافة السنابية حاضرة وبقوة،كل حسب انتاجه، فالمفكر له بضاعته وسوقه، والفنان واللاعب والمغمور الجميع يرى فى نفسه مشروع تحول فكري ينبغي رصده وتوثيقه وتصديره للبشرية جمعاء. وللنساء نصيب وافر من هذه التقنيات فالطبخ والموضة حاضرتان وبقوة فى هذه الوسائل التواصلية.
السؤال المهم
هذه الوسائل كيف اعادت تشكيل خطاباتنا الحياتية وكيف اصبحت مفاهيمنا وشخصياتنا فى مجتمعنا السعودي ؟ا
السعودي بطبعه محافظ يميل الى الوسطية فى كل أموره ولكن هذه الوسائط الالكترونية، كما قلنا زادت من شهوة حضوره الكلامي، فأصبح يتعاطى كل التخصصات، فالشريعة مجاله والاقتصاد تخصصه والرياضة فنه والسياسة باعه وهنا تكمن المشكلة فى ابراز وجوه مغمورة تتكلم فى كل شيء وتصادر المتخصصين فى كل مجال من المجالات ،فالخبير تحت ضغط الحضور الهائل لهولاء النكرات ينزوي خجلا وخوفا من التصادم معهم فالحوار معهم قد يسحبه الى منطقة مكشوفة يصبح فيها عرضة لسهام سخطهم وجهلهم بالحقائق والمعلومات.
النسخ واللصق لأي معلومة أو فكرة أصبح المتطلب الوحيد للحضور (والترزز) فى هذه الوسائل، ومن ثم المجتمع ،فكثير من الناس ينسخ مواد ويدفعها للمجتمع عبر تلك الوسائل وهو لا يعرف كنهها وربما لم يستطع قراءتها كونها مصطلحات موغلة فى التخصصية والابهام.
كل ذلك أفرز لنا خطابات حادة تنحو الى التفسيق والتجهيل والسخرية من المخالف ايا كان قدره او رسوخ علمه ،ويتم ذلك من خلال تظاهرات الحشد والفزعة التى تلبي نداء الكبير وتصوب نيرانها باتجاه المخالف وتقصيه ليصبح مادة للتشفي وعبرة للمعتبرين.
وسائل التواصل الاجتماعي أسعدت واسعفت كل جاهل ليجد له مكانا مع النخب والمفكرين ليحاورهم وينابزهم ويسحقهم تحت قوانين هذا الاعلام الجديد الذي يجعل الجميع سواسية فى الحضور والتأثير طالما أن الكم والاثارة هما المعياران الأساسيان للرسوخ والبقاء فى أذهان المشاركين والمتابعين على حد سواء.
وبالعودة إلى الخطاب السنابي وهو من أحدث إصدارات هذا الاعلام الجديد وأكثره فاعلية بين السعوديين، فهو موجة ركبها الجميع أسهمت فى تصنيف الكلام وترسيخه كشهوة انسانية اصيلة وأخيرة كونه آخر ما يبقيه الزمن له فى لحظاته الأخيرة لا تتطلب منه أكثر من لسان يلهث بالكلام وكاميرا توثقه صورة مبتذلة وظاهرة صوتية لا تسمن ولاتغني من جوع.
- علي المطوع