كلما كانت ذاكرة الشاعر خارج حشود الأحكام المصادرة أو النقدية أو الانتقائية وهو يكتب نصه استطاع أن يصل بنصه إلى كمالية التحول الشكلي الذي يصنعه التحول الذهني واللا شعور المتمرد على قاعدة الصنف المقبول اجتماعياً أو ثقافياً. فليس كل مقبول في ثقافتنا المحلية إنجازاً أدبياً وإبداعياً، وليس كل مرفوض في ثقافة غيرنا خارج عن المثالية من وجهة النظرالسائدة.
لا يسير بي سوى قراءتي الحرة في كافة المجالات وعدم تطرفي في التفكير أو في صيغة إبداعي وتسيسه نحو شكل دون آخر. قرأت كثيراً من قصائد النثر لشعراء عرب وغير عرب ولمحت فروق الصور الشعرية والشعورية وكثافتها فتسلقت قصيدة النثر مخيلتي بطريقة لم تسبق لي ولم أسبق إليها أيضاً.
إذن فالتحرّر من الشكليات التي تقيد فطرة النص الإبداعي المكتوب تغيّر في الشاعر وفي مخزونه الإبداعي والثقافي والإنساني كذلك.
كتبت نصوصاً لا تنتهي وخبأتها في درج ذاكرتي الورقية وكنت أرقب المشهد الشعري السعودي من بعد. ربما أنني امتلكت بعض الجرأة عندما تنقلت قراءتي بي نحو قراءات حرة لا تنحو نحو مذهب ولا توجه، وتبك القراءات المتحرّرة من سطوة المنهج والإيدلوجيا نقلتني إلى كل قصيدة النثر أو أي شكل آخر ودعتني إلى لعبة نادرة وجريئة ومضيئة ومفيدة جداً فحولت كل نموذج يختلف عن قصيدة النثر إلى قصيدة نثر بعبث كتابي أو بكتابة عبثية .
التحرّر من الشكليات التي تقيد فطرة النص الإبداعي المكتوب توسع من فضائه وتقنياته وتبسط آفاقه وتجلياته نحو الإيقاع الشخصي والعالمي في آن.
لكم أن تتصوروا كم كانت تلك العبثية في اكتشاف النص المتحرر من القواعد والتصورات المحدودة الممنهجة ممتعاً ومثيراً.. وذلك هو ما يعين على فهم ملامح الإبداع والثقافة المعاصرة والحداثة المتتالية وليست المراجع أو المؤلفات والبحوث والدراسات المكتوبة حول الإبداع والثقافة بشكل عام.
إذا تحرّر الإبداع من سطوة التصور المسبق المبني على ذاكرة تقليدية وثقافة نمطية متوجسة من غرابتها في ذهن متلقيها اتجه نحو المستقبل وعاش إلى الأبد.
- هدى الدغفق