كثيرًا ما نلحظ صورة (الإنسان الشرير) في الرواية، وتنبع هذه الصورة غالبًا حينما يتعالق الهامش بالمتن في الرواية وهذه العلاقة بين الهامش والمتن تعتمد اعتمادً ظاهرًا على شخصية (الإنسان الشرير)؛ سواءً أكانت هذه العلاقة بين العربي و الغربي أم بين الأنثى والذكر أم بين العبد والسيد وغيرها من هذه الثنائيات التي تربط الهامش بالمتن و تنتصر للهامش من المتن. و تكمن صورة الإنسان الشرير في (المتن/المتغلب/المتسلط) الذي يدحر (الهامش/المغلوب) ، لكن الإشكال في هذه الصورة أنها لا تعالج القضية من منظور علائقي بين هذا المتن/الغالب و غيره من السلطات في المجتمع ؛ كما أنها لا تعالج هذه القضية من منظور فلسفي بقدر ما تعالجها من منظور انتصار أحادي للهامش ضد المتن . ولهذا سنرى صورة (الإنسان الشرير) بارزة في رواية (عناقيد الرذيلة) لأحمد ولد الحافظ التي جعلت من الإنسان متسلطًا متجبرًا دومًا ؛ فالهامش واحد و هو (ابليل) وأمه ؛ بينما المتن/المتغلب متعددون جدًا (امحميدات-الشيخ سيدي أحمد-إسماعيل-المصطفى) ؛ و الأصل في الرجال أنهم «يبقون دائمًا ذئابا» (عناقيد الرذيلةص138) ، و كل من هم حول (ابليل) الفقير المملوك المغلوب مع تفوقه و ذكائه إلا أنهم جميعًا «العالِم،المعلم،المدير،الأم،الطبيب، كلهم هناك لا مكان في وجدانهم ولا في أرضهم ل(ابليل) «(عناقيد الرذيلة ص140) ، فكل من له علاقة ب(ابليل) يعتبر من هؤلاء الأشرار من (امحميدات) الذي خطف أمه في صغرها و باعها مملوكة للشيخ الذي تمتع بها ؛ و (المصطفى) الذي تهجم على (سلّم عربية) ؛ والشيخ سيدي أحمد الذي يبارك هذا الظلم كله ببيانات من الدين و الشرع؛ مما جعل الجميع مشترك في فكرة (الإنسان الشرير)، بل إن جنس الإنسان منافق،حقير،أناني،جاهل،يحب الدماء (عناقيد الرذيلةص195).
وأما السؤال الذي يجعلنا نفكر كيف جاء هذا الإنسان الشرير في الرواية فإنه «ذلك الشيطان الذي نصنعه نحن بإرادتنا، ويكبر و يفحش كلما ابتعدنا عن عبق النبوة» (عناقيد الرذيلة ص68) .
لا أظن أن إشكال الغالب والمغلوب سينتهي من وجود البشر لكننا لا نريد أن نواكب بين الغالب والمغلوب فنحول الغالب مغلوبا في فترة ما؛ أي أن نحول الهامش إلى متن؛ فنراوح بين الهامش والمتن في فكرنا البشري و حينها سنطمس إبداع الإنسان ونخلق من هامشنا متنًا ليأتي من يحول هذا المتن إلى هامش أيضًا، وستظهر هذه العلاقة بين الهامش و المتن الصراعية في علاقة الأنثى بالذكر والعرب بالغرب أيضًا حينما تريد الأنثى أن تتغلب على الذكورة أو حينما تريد الانتقام من الذكورة، كما أننا سنراها في تحليلنا لمركزية الاستعمار/الاحتلال حينما تضحي هي المسيطر لنكبات العرب و تتحول العلاقة بينهما إلى انتقام مما سلف مِنْ تَغَلُّب؛ فيصير المغلوب غالبا يوما ما. و قد يكون التحدي في هذه القضية هو أن نوازن بين الغالب والمغلوب أو الهامش والمتن دون أن يطغى أحدهما على الآخر مع استحضار الرأي الفلسفي في أصل الإنسان بين خيريّته و شره؛ و مدى السلطات التي يمارسها الإنسان على الإنسان ليجعل من ذاته شريرًا.
- صالح بن سالم
_ssaleh_ @