تقرير - محمد المرزوقي:
لغتنا العربية لغة حيّة، غنيّة بوسمها ورسمها، لغة بيان.. وإيجاز.. وإعجاز، فإلى جانب كونها لغة «هويّة» فلها من الخصائص والسمات ما يجعلها فريدة بين سائر لغات العالم، لما تمتلكه من المقومات في جوانبها النحوية والصرفية، والبلاغية، والأدبية، ورسمها الإملائي.. ما جعلها أمام الكثير من التحديات منذ مطلع العصر الحديث، وفي مواجهة عديد من معاول الهدم على مستويات عدة، منها ما هو خارجيّ، ومنها الداخليّ.. إِذ يأتي في مقدمة التحديات الداخلية لدى أبنائها: شيوع العامية، التعليم بالعامية في المؤسسات التعليمية والأكاديمية، مزاحمة اللغات الأخرى لها وخصوصًا الإنجليزية، إلى جانب شيوع الأخطاء الإملائية.
وتتدرج درجة الأخطاء الإملائية بين ثلاثة مستويات: السهو، اللبس، العمد؛ إِذ يختلف مستوى ردة الفعل تجاه الوقوع في الخطأ بمستوى محرره، سواء كان فردًا أو جهة مؤسسية، ما يجعل درجات رفض الوقوع في الخطأ الإملائي، تتدرج بدرجة المستوى التعليمي للفرد، ودرجة موقع الجهة وفي مقدمتها الجامعات والجهات الحكومية، الأمر الذي يزداد معه فداحة الخطأ عندما يكون معلنًا أمام الجمهور، وخصوصًا عندما تكون الأخطاء على قارعة الطريق تتقاذفها الأبصار - باشمئزاز - صباح مساء!
وتعد قاعدة همزة (ابن) من القواعد الشائع الخطأ فيها، وذلك من خلال إثبات الهمزة فيما حقه حذفها، وحذفها في موضع الصواب إثباتها فيه، ومن العبارات الشائعة في هذه الحالات مسميات الشوارع إِذ يكتب (شارع ابن..) كما هو في لافتة (شارع بن حزم) التي كتبت بهذه الصورة، والصواب (شارع ابن حزم) نظرًا لأن الثاني ليس أبًا للأول.
ومن الأخطاء المشاهدة في لوحات الشوارع - أيضًا - التي تتجاوز مجرد الخطأ الإملائي، إلى خطأ في الدلالة كما هو مشاهد في لوحتي: شارع أسماء بنت أبي بكر «رضي الله عنها» وفي مسمى شارع عائشة بنت أبي بكر «رضي الله عنها» والصواب: رضي الله (عنهما)، إِذ من البداهة أن يعود الضمير على عائشة، وعلى أبيها - رضي الله عنهما - إِذ لا يمكن القول - ولو جدلاً - أن هذه ليست بأخطاء وأن منها ما يمكن قبوله من قبيل إطلاق الجزء وإرادة الكل، إِذ هذا ليس مجالاً له، كما لا يمكن التبرير له - أيضًا- بأنه من قبيل «الإيجاز» إِذ ليس هذا بمقامه.
أما بالانتقال إلى الجانب «البلاغي» للبحث عن مخرج لهذه الأخطاء، فسنكون أبعد ما يكون عن الصواب، إِذ لا يمكن اعتبار هذا من قبيل فن «الالتفات» ما يجعل من هذه العبارات الخاطئة في شوارعنا خطأ (صريحًا) ومتى ما اعتبرنا أن هذا من قبيل «الحذف» لقبوله - ولو جدلاً - لتكون العبارة: شارع عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنها - وكأننا نضمر - ورضي الله عن أبيها - في نفوسنا لما لم يكتب على اللوحة! وهنا يكون الأمر أشبه بـ«المضحك» إِذ كان التوجيه بتغيير اللوحات التي تحمل أسماء الصحابة والصحابيات، وإضافة عبارة الدعاء لهم بالرضا، وذلك من قبيل الثناء على الصحابة والصحابيات بما هم أهل له، وبما يجسد مكانتهم في مختلف أدبياتنا المكتوبة، التي يأتي ضمن سياقاتها لوحات أسماء الشوارع المسماة بأسمائهم، وأيًا كان حجم تكلفة تغيير اللوحات، أو استبدال شرائح منها، فلسان حالها يقول: ليس حال هذه العبارات بأفضل حالاً من تركه على ما كان عليه، إِذ هو أسوأ من جهد من فسر الماء بعد الجهد بالماء!