محمد الحسن العماري
تقول الحقائق بأن المملكة العربية السعودية تتربع على عرش المساعدات الإنسانية بعطاء دولي بلغ 1.9 من دخلها القومي والمركز الرابع كأكبر مانح للمساعدات الإنمائية. بينما الصورة الذهنية عن المملكة (للأسف) لا تمثل هذه المعادلة في المجتمع الدولي. تعترف السعودية بأن سياستها في عدم كشف أعمالها الإنسانية يرتكز على مبدأ كرامة الإنسان وأن التباهي بالعطاء ليس من شيمها. وحقيقة هذه السياسة ممتدة من الإرث الإسلامي بأن الإنفاق باليد اليمنى يجب ألا تعلم به اليسرى، وهي كناية على حفظ كرامة المحتاج. لكن هل هذه السياسة مجدية للرأي الدولي!
من الغبن أن تغطي مساعدات المملكة وبصمت 70 % من العالم بينما يعلو همز بعض الدول عن حجم ونوعية مساعدات مملكة الإنسانية! فعندما ارتفعت هذه الأصوات الغير منصفة، قامت المملكة بـ«ردة فعل» وذلك بكشف موجز عن حجم مشاريعها الإنسانية كمًا ونوعًا. المجتمع الدولي له لغة لا تصل إلى فهم السلوك السعودي الممتد من سلوك مجتمعه. بمعنى أننا نخاطب العالم بلغة لا يفهمها! من أبجديات البلاغة أن نخاطب الناس بما يفهمون وكذلك أعمالنا الإنسانية. يحق للمملكة أن تعتز بقيمها وتراثها، لكن الظروف الدولية تفرض علينا ترجمة السلوك إلى لغة تحمي مصالح المملكة في الخارج، فكيف ذلك!
الصورة الذهنية عن السعودي ومملكته في الرأي العام العالمي لا تعكس القصة الحقيقة، ويكفي أن تكتب اسم السعودية بأهم اللغات الأجنبية في محركات البحث لتجد أن الصورة والمعلومة لا تحكيان الواقع. ولطالما امتطت منظمات ووسائل إعلام مؤثرة وكذلك دول ملفات رمادية للنيل من السعودية بشكل ممنهج. هذه العمليات تبقينا في خانة ردة الفعل» بينما يتوجب علينا المبادرة «بالفعل» وذلك باستثمار أول عنصر في مصادر القوة الناعمة وهي «الثقافة». مساعدة الإنسان وإنقاذه ومن ثم تنميته دفع لأجلها السعودي الإنسان 54 مليار ريال وفقا لإحصاءات عام 2014 أي أن حكاية ثقافة التضحية للسعودي لها قوة لاختراق أي مجتمع لتعزيز الصورة النمطية عن العلم الأخضر وأهله.
تستعرض الدول قواها بما يتناسب مع مصالحها الوطنية. وفي الإدارة السياسية للدول الغنية يتم توجيه المساعدات الإنسانية بناءً على مصالح الدولة مثل الأمن والتنمية الاقتصادية والبرستيج أو ما نسميه بالهيبة والاستعراض. والمملكة لا يهمها ذلك، ولم تنطق إلا بعد لمز كيانات همّها هو الضرر بالمملكة. حكاية الإنسان السعودي في مساعدة ملايين البشر حقيقة، ومستمرة منذ خمسة عقود، لكن هذه الحقيقة تحتاج إلى من يرويها، والإعلام بها عن طريق وسائل اتصال مؤثرة وبلغة إنسانية بحتة، نستطيع استبدال الصورة المشوهة بأخرى مقنعة. كما أن المبادرة بحملات رأي عام لاستثمار القوة الخضراء، سيضعنا في موقف «الفعل» لإدارة الصورة الذهنية عن المملكة وأهلها. وبشكل أعمق من الممكن جمع المعلومات لهذه المشاريع ودراسة مدى أثرها على المجتمعات المستفيدة، ومن ثم ترجمتها بلغات أجنبية مؤثرة وصياغتها لمستوى مراكز الأبحاث والجامعات والمنظمات المتخصصة. على كل حال، القضية لا تحتاج إلى تسويق! لأن قصة عطاء السعودي واقعة مقنعة، لكن ينقصها الرواي.